"أصبحنا تقريباً السلطة المقرِّرة في البلد بحجمنا الحالي"، و"قطعنا لسعد الحريري تذكرة ذهاب من دون رجعة One Way Ticket وذهب لن يعود".
المُتتبّع للسياسة اللبنانية لن يجهد طويلاً ليعرف من هو صاحب هذه العبارة، فكلماتها تدلّ على شخصية قائلها، وطريقة تفكيره ونظرته إلى السلطة، نعم إنه رئيس "التيار الوطني الحر" آنذاك العماد ميشال عون، قالها في العشاء السنوي لـ"هيئة قضاء كسروان" في حزيران 2011.
وقبلها، في مؤتمر صحافي من "الرابية" في 17 آب 2009، خصّصه للدفاع عن صهره جبران باسيل، قال عون: "إذا مش عاجبكن جبران باسيل دقّوا راسكم بالحيط، وإذا ما كفّاكم في حيط الصين الكبير"... وقال: "لعيون صهر الجنرال عمرها ما تتألف حكومة".
آنذاك كانت الحكومات تُشكل وفقاً لموازين قوى فرضت بقوة السلاح، وكانت سطوة "حزب الله" الذي وجد بـ "التيار الوطني الحر"، حليفاً مسيحياً شرِهاً للسلطة، هي من تعطي "التيار"، السلطة والوزارة وتأخذ منه شرعنة سلاحها، ولو على حساب الدولة ومؤسساتها والشعب ومستقبله.
دارت الأيام، وأشار الرئيس نواف سلام، بطرف يده لجبران باسيل وهو يتحدث عن الثقة وعدم منحها، خلال مناقشة البيان الوزاري، كأنه يقول له: "بلاك وبلا ثقتك"، وهذا كارت أحمر" بطردك من السلطة التي عشت فيها سيّداً وأميراً وحاكماً بأمرك حوالي 15 عاماً، فعارض كما شئت، وقل كَلمك، وكِد كيدَك، واسْعَ سعيَك، وناصِبْ جهدك، وهل رأيُك إلاّ فَنَد، وأيّامك إلاّ عَدَد، وجمعك إلاّ بَدَد... والانتخابات عنا ليست ببعيدة".
وحدث أمر مشابه في تشييع السيد حسن نصرالله، سأل غالب أبو زينب عن الكرسي التي خُصّصت لرئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، فلم يأته الجواب، أعاد السؤال مرة أخرى فقيل له بهمس: "حرب الإسناد أفقدتنا إياه كسند"، فردّ غاضباً "ومن هو هذا حتى يكون لنا سنداً، بل نحن من كان سنده وظهره وسيفه وسلاحه، ونحن من جعلناه نائباً ووزيراً وجعلنا عمّه رئيساً للجمهورية، لكنه تاه في أزقّة السلطة والجاه، ونسي ساحات الوفاء ومحطاتها".
هذان الحدثان، يختصران مسيرة جبران باسيل السياسية، لو منحه الرئيس سلام بعض ما أراده من وزارات، لأجاد في نسج العبارات مدحاً وثناءً على الرئيس المكلّف، ولما حَجَبَ الثقة واستدار إلى المعارضة.
وغيابه عن تشييع نصرالله، حجّة دامغة عليه لا له، بأنّه والوفاء خطّان لا يلتقيان، وأنه في تحالفاته السياسية لا يقيم وزناً للأخلاقيات والمبادئ، إنما للحصص والصفقات والسمسرات، وعندما انتهى زمن ذلك، بات باسيل وحيداً لا حليف ولا صديق له، حتى أهمّ نواب تياره انفضّوا عنه.
اليوم يمكن للرئيس ميشال عون أن يراجع كلماته ويستبدلها، بالقول: "أصبحنا تقريباً الفئة الوحيدة غير المقرِّرة في البلد، والتي ليس لها حليف وذهب سعيها بدد، وأتانا قاضٍ دولي حكم علينا بـ"وان واي تيكت" محلّي، ومن كنت أعطّل فخراً لأجله تشكيل الحكومات، باتت الحكومات تتألّف من دونه وبكل سلاسة وهدوء، وجُعل هو الحائط الذي يقفز فوقه الجميع في طريقهم إلى السرايا الحكومي".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك