مع التحوّلات والتبدّلات العالمية في أسس البلدان الحديثة، تُعدّ الشفافية مقياساً مهمّاً لمسارات الحوكمة الرشيدة. في لبنان، عانت الحكومات السابقة من شرذمة إدارية، يُفترض صحيّاً أن تكون مترابطة وواحدة لناحية البيانات والمعلومات. في هذه المسألة، تبرز قضية السجلّ الاجتماعي الموحّد. حتى الآن وعلى عكس معظم الدول، يَفتقد لبنان قاعدة معلوماتية عن المواطنين المؤهّلين للاستفادة من الخدمات الاجتماعية والمالية، علماً أن الاتحاد الأوروبي عرض تمويل مشروع السجلّ الاجتماعي الموحّد، حيث رصد لهذه المهمّة ما يزيد عن 4 ملايين دولار، بهدف تنظيم برامج الدعم النقدي والعيني والنفسي للبنانيين، عبر حصول كلّ مواطن على رقم اجتماعي يُعرّف عنه، لتلافي السقوط في ازدواجية الاستفادة من البرامج والخدمات المختلفة غير المستحقّة.
غير أنّ هذه الخطوة التي تصبّ في خانة الإصلاح وتطوير الذهنية الإدارية وممارستها، اصطدمت بنزاعات داخلية وفق مصادر مطلعة، بين رئاسة الحكومة السابقة والوزارات المعنية، إضافة إلى أسباب أخرى مرتبطة بالمانحين، خصوصاً البنك الدولي الذي فضّل الإبقاء على منصة "دعم" التي تمّ العمل بموجبها منذ انتشار جائحة "كورونا" وتبعها برنامج "أمان". وقد بان هذا الرفض في اللقاء الموسّع الذي دعت إليه وزارة الشؤون في عهد الوزير هيكتور حجّار، وضمّ وقتها الوزارات الشريكة والمانحين ومنظمات الأمم المتحدة العاملة في لبنان. ولدى عرض التصميم لإنشاء السجلّ الاجتماعي الموحّد، احتجّ كلّ من ممثل رئاسة الحكومة السابقة والمنظمات الدولية على صرف المنحة المتعلّقة بإنشاء سجلّ اجتماعي، إذ طرحوا علامات استفهام حول إنشاء السجلّ بهذه الطريقة، ما فتح باب الوساطة من قبل أحد المستشارين لحصر السجلّ بوزارة الشؤون الاجتماعية.
ولفتت مصادر لـ"نداء الوطن"، إلى أنّ الوسيط عمل على حجز دور فاعل له ولمدّة طويلة كخبير في عملية تصميم السجلّ الاجتماعي للوزارة، وطبعاً ضمن تفاهم غير معلن وبعيد عن أعين المعنيين حتى داخل الوزارة. وتضيف أنه "بعد ضغوط مستمرّة من قبل الوسيط الذي عمل على جمع مسؤولين من الاتحاد الأوروبي بالوزير المعني السابق، في محاولة لجرّ الأخير إلى توقيع يضمن من خلاله مصلحته الشخصية، من دون التطلّع إلى ما قد يرتبط به هذا التوقيع من مخالفات بالشكل والمضمون. والسؤال الذي يطرح ذاته في هذا السياق هو: طالما أن لدى الشؤون منصّة "دعم" وصُرفت لها الأموال اللازمة، وباتت تحوي كمّاً هائلاً من البيانات والمعلومات، فما الجدوى من إنشاء منصّات أخرى؟ فهل انتقلنا من معضلة ازدواجية الخدمات إلى ازدواجية المنصّات؟ وإذا سقط السجلّ الموحّد في لبنان في متاهة النزاعات والتنفيعات، فهل من الصواب تشكيل سجلّات جديدة؟ أم كان المقصود هو قطع الطريق على الوزير الجديد (حنين السيّد التي تولّت حقيبة الشؤون الاجتماعية)؟
ختاماً، تضع المصادر القضية في عهدة الوزيرة السيّد، حيث سيتم اليوم التسليم والتسلّم بين السلف والخلف، لمنع أي تهريبة محفوفة بالشكوك، لا سيّما وأن الملف لم يُعرض وقتها على دوائر الوزارة المعنية القانونية وغيرها، كما لم يُطرح على طاولة مجلس الوزراء، باعتبار أن الغرض من هذا السجلّ المزعوم، سيتمّ حصره بوزارة الشؤون الاجتماعية. وتضع المصادر ثقتها بالسيّد في مكافحة التنفيعات، متوقّعة إحداث تغييرات داخلية تواكب المرحلة الجديدة والإصلاحات الجديّة المطلوبة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك