"ما في مَيْ".. هذا لسان حال اللبنانيّين في الفترة الأخيرة، وسط تحوّل الشّتاء إلى "شبه صيفيّة" مع أمطار خجولة لا تلبث أن تتساقط حتّى تعود وتختفي. ففي "بلد المياه"، نُعاني من جفافٍ غير مسبوق بحيث أصبح الوضع في مهبّ الريح مع شحٍّ تاريخي ينعكس سلباً على مختلف جوانب الحياة اليوميّة. وتُعتبر هذه الموجة الجافّة علامة مُقلقة وسط المُعاناة من مخلّفات الحرب وأزمة اقتصاديّة مستمرّة كما أنّها مؤشّر إلى التأثيرات المُتصاعدة لتغيّر المناخ، إذ تعطّل الدورة الهيدرولوجيّة لتجديد الخزانات وإمدادات المياه الجوفيّة، ما يزيد مخاطر الصحّة العامّة ويُعيق الزراعة ويُعمّق انعدام الأمن الغذائي ويزيد خطر اندلاع حرائق الغابات في الصّيف. فما هي الأسباب؟ وماذا ينتظرنا في الأشهر المُقبلة؟
يعزو رئيس قسم التقديرات الجوية في مطار بيروت محمد كنج، السّبب إلى سيطرة المرتفعات الجويّة على منطقتنا، الأمر الذي منع المنخفضات الفعّالة، موضحاً في حديثٍ لموقع mtv أنّ "كلّ المنخفضات التي تأثّرنا بها هذا العام لم تكن تَعْبر عبر البوابة التقليدية أي بوابة تركيا - قبرص - لبنان، بل كانت تمرّ عبر مصر - شمال افريقيا ومنطقة دافئة هناك، فكانت تخسر برودتها وكمية الأمطار، ما يؤدّي إلى تساقط أمطار خفيفة لا تطول مدّتها بسبب انفلاتها عن الكتلة الباردة الأمّ". ويُتابع: "المنخفضات الفعّالة التي عادةً ما تضرب لبنان، تأتي عبر بوابة تركيا وتبقى متّصلة مع الكتلة القطبيّة الأمّ وهذا ما يُغذّيها ويشحنها بالبرودة والرطوبة وتبقى لفترة أطول في منطقتنا. هذه السنة لم نشهد منخفضات فعّالة بل قصيرة ودافئة وشحيحة بالأمطار وغير بادرة، لذلك لم نرَ تساقط الثلوج دون الـ 1500 متر، لكنّ "الجرّة ستنكسر" اعتباراً من الأربعاء".
ماذا سيحصل؟ يكشف كنج "أنّنا سنشهد بدءاً من الأربعاء أول عاصفة ثلجيّة ستضرب لبنان أطلقت عليها مصلحة الأرصاد الجويّة إسم "أسيل" وسنشهد تساقطاً للثلوج وغزارة بالأمطار. والثلوج تبدأ بالتساقط اعتباراً من ارتفاع 1500 متر ويتدنى مساء الأربعاء ليلامس الـ 1000 متر، أما صباح الخميس فهو الأشدّ برودة وسيشهد ثلوجاً على ارتفاع 900 متر وقد تلامس الـ 700 متر في مناطق الشمال"، مشيراً إلى أنّه ستكون هناك استراحات في الطّقس ولكنّ التقلّبات ستستمرّ حتى نهاية الأسبوع.
أمّا عن الشحّ في الأمطار والجفاف غير المسبوق، فيقول كنج: "هذه السنة هي من السنوات الشحيحة التي تُعدّ ضمن أسوأ 5 سنوات في الـ 80 سنة المسجّلة لدى مصلحة الأرصاد الجويّة، والسبب يعود إلى أنّ كانون الثاني الذي عادةً ما يشكّل حوالى 25 في المئة من فصل الشتاء، وصل معدل الأمطار فيه إلى حدود 191 مليمتر. ففي بيروت تساقطت الأمطار بحدود الـ 18 مليمتر أي أقلّ من 10 في المئة من المعدّل وهذا ما أدّى إلى خسارة كبيرة في فصل الشتاء هذا العام، لأنّ هذا الشّهر عادةً ما تتساقط فيه أكبر كمية من الأمطار".
كما يلفت إلى أنّ "كانون الثاني 2025 كان دافئاً مع درجات حرارة تفوق معدّلاتها الطبيعيّة مع مرتفع جوي مسيطر على الحوض الشرقي للمتوسط، بينما كانت كلّ المنخفضات في الحوض الغربي ووسط المتوسط، وهذا الأمر زاد من شحّ المياه في لبنان. ففي زحلة مثلاً، تبلغ كمية الأمطار التي تساقطت حتّى الآن 150 مليمتر في وقت أنّ المعدّل الطبيعي يصل إلى 405 مليمتر تقريباً، والعام الماضي وصل إلى 530 مليمتر. أيضاً في بيروت، هذه السنة بلغ المستوى 260 مليمتر حتى الآن في حين أنّ المعدّل هو 530 - 540 مليمتر، أمّا العام الماضي فقد شهدت العاصمة تساقطاً للأمطار حوالى 840 مليمتر".
وبطريقة مبسّطة، يُفسّر كنج: "المليمتر الواحد يعادل ليتر مياه بينكب على كلّ متر مربّع، أي إذا تساقطت أمطار بحدود الـ 10 مليمتر كأنّ شتّت على كلّ متر مربّع بلبنان بحدود الـ 10 عبوات مياه، كلّ عبوة عبارة عن ليتر". ويُضيف قائلاً: "من الواضح أنّ كمية الأمطار هذا الموسم لن تصل إلى المعدّل الطّبيعي الذي كنّا نشهده سابقاً، لأنّ التقلّبات في شباط محدودة، حتّى لو شهدنا منخفضات وعواصف مثل "أسيل" التي لن تطول وستدوم حوالى 30 ساعة بين الأربعاء والخميس، ثمّ تحدث بعض الانفراجات البسيطة أمّا التقلّبات فتستمرّ حتّى الإثنين".
ويقول إنّ "شباط وآذار يشكّلان 30 في المئة من نسبة المتساقطات، (شباط 130 مليمتر وآذار بحدود 110 مليمتر)، فحتّى لو حقّقنا هذه المعدلات سنبقى متأخّرين على الأقل بحدود 40 في المئة عن المعدّل. وكمعدّل عام، بلغت المتساقطات حتّى اليوم 260 مليمتر من أصل 825 مليمتر (السنة المطريّة منذ أيلول حتّى آخر آب). على الأكثر، يُمكن أن تصل إلى حدود 400 أو 450 مليمتر، إلا أذا حلّت معجزة وبيّضها آذار مع كميات أمطار وثلوج أكبر من المتوقّع، فهذا سيكون مفيداً للناس ولكن يضرّ بالموسم الزراعي"، مستشهداً بالمثل الشهير: "شباط مهما شبط ولبط ريحة الصيف فيه".
نتيجة التغيّر المناخي، هل خسرنا طقسنا المعتدل والفصول الأربعة؟ يرى رئيس قسم التقديرات الجوية في المطار أنّ "مدّة فصل الصيف طالت، وفصلَي الربيع والخريف أخذا من مدة الشتاء، الذي تقلّص على حساب الصيف"، موضحاً أنّ الخريف بات يبدأ في أواخر أيلول وفصل الربيع بات يبدأ باكراً، وهذا يُظهر أنّ فصل الشتاء في منطقتنا بدأ يتقلّص.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك