كتبت ماريان زوين في "نداء الوطن":
قالها القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع، قبل نحو أسبوعين وكرّرها الأحد خلال استقباله الرئيس السابق للحزب "التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط في سوريا: "بلادي لن تمارس بعد الآن نفوذاً سلبياً في لبنان، وستحترم سيادة هذا البلد المجاور!" من هنا تشكّل الحدود بين البلدين، تحديّاً أساسياً للسلطتين الجديدتين إن في سوريا أو في لبنان قريباً. هذا التحدّي ليس بجديد، لكن فرص نجاحه ارتفعت هذه المرّة.
في لحظات اكتراث دوليّ كبير للبنان وبعد طلب مباشر من الحكومة اللبنانية عقب حوارٍ وطني عام 2006 اتفق المتحاورون على ترسيم الحدود اللبنانية السوريّة، وظهر في أيار من العام نفسه القرار الدولي الرقم 1680 الذي يشكّل موضوع ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا عموده الفقري. واليوم في زمن التحوّلات الكبيرة التي يمرّ بها لبنان وسوريا بعد الحرب المدمّرة بين "حزب الله" وإسرائيل من جهة، وسقوط نظام الأسد من جهة أخرى، يعود الكلام عن القرار الدولي 1680 خصوصاً بعدما وافقت حكومة تصريف الأعمال اللبنانية ومعها "حزب الله" على اتفاق وقف إطلاق النار الذي يشير بشكل واضح وصريح إلى ضرورة التزام تطبيق القرارات الدّولية 1559، 1680 و1701.
في لمحةٍ حول أهمّ ما جاء في ذاك القرار، انطلاقاً من ضرورة تحقيق السيادة اللبنانية وسلامة لبنان الإقليمية، شجّع القرار 1680 في نقطته الرابعة حكومـة سـوريا علـى "الاسـتجابة بـشكل إيجـابي للطلـب الـذي قدمتـه حكومـة لبنـان تماشيا مـع الاتفاقـات الـتي تم التوصـل إليهـا في الحـوار الـوطني اللبنـاني، بتحديد حدودهما المـشتركة، ولا سيما في المنـاطق الـتي تعتـبر فيهـا الحـدود غـير مؤكـدة أو محـل نزاع، وإقامة علاقة وتمثيل دبلوماسي كاملين". كما نصّ القرار نفسه في نقطة أخرى على اتخاذ الحكومة اللبنانية إجراءات ضد عمليات نقل الأسلحة إلى الأراضي اللبنانية وأهاب بحكومة سوريا أن تتخذ تدابير مماثلة لها، الأمر الذي لم يتحقّق بفعل مواصلة إيران وبتغطية من نظام الأسد إمداد "حزب الله" بالسلاح والذخيرة المناسبة والمطلوبة عبر الحدود المذكورة. وبين بنود القرار نقطة مهمّة تعالج السلاح غير الشرعي بدءاً بالسلاح الفلسطيني خارج المخيّمات وصولاً إلى كافة الميليشيات بهدف بسط القوى الشرعيّة اللبنانية سلطتها على كافة الأراضي اللبنانية. وهذا أيضاً لم يتحقق والحوادث التي تلت صدور القرار حتى اليوم دليل واضح على ذلك.
من كان بالأساس ضد هذا الترسيم؟ لا يُخفى أنّ "حزب الله" وفرقاء لبنانيين ينتمون إلى محور الممانعة حليف نظام الأسد ونظام الأسد بنفسه، فعلوا كل شيء لترحيل هذا القرار ولتجنّب تطبيقه والأسباب كثيرة. أوّلها واضح لمن يجرؤ على البحث في عمق حجج حزب ادّعى "المقاومة" وتحرير باقي الأراضي المحتلّة كمزارع شبعا وتلال كفرشوبا. فمجلس الأمن يعتبر أن الأراضي اللبنانية المحتلة قد تمَّ تحريرها بالكامل في العام 2000، ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا هي ضمن خريطة الأراضي السورية التي تحتلها "اسرائيل" وفقاً للقانون الدولي، لأنها تحت إشراف قوات "تندوف" الدولية التي تنتشر في الجولان العربي السوري منذ اتفاق الهدنة بين سوريا وإسرائيل بعد حرب 1973. صحيح أنّ "سوريا الأسد" كانت تصرّح عبر أكثر من مسؤول فيها ومنهم وزير خارجيتها السابق وليد المعلم؛ أن مزارع شبعا لبنانية، ولكن بقي كلامهم "حكي بالهوا" لطالما لم توقع سوريا على تعيين الحدود في هذه المنطقة وإيداع نسخة عن هذا التعيين في الأمانة العامة للأمم المتحدة، كما طُلب منها في القرار 1680، لكون الأمم المتحدّة لا تعترف بالتصاريح الاعلاميّة.
كنّا نطالب مراراً بتطبيق هذا القرار، ونعرف ضمناً أنّ من أخرجه اللبنانيون من أراضيه، لن يوقّع على ورقة تزيل مشروعيّة أرادها وكيله الذي أكمل مهمّة هدم المؤسّسات اللبنانية تحت "شمّاعة رمي إسرائيل في البحر". نعم استمدّ "حزب الله" مشروعيّة سلاحه طوال الفترة الماضية من هذه الورقة على اعتبار أنّ هناك أرضاً لبنانية تحتاج إلى تحرير. هناك لبنانيون يملكون أراضي في مزارع شبعا فهي طبعاً لبنانية، ولكن علميّاً "وعالورقة والقلم" الخرائط الدولية حتى الساعة لا تقرّ بذلك.
الشرع وعند سؤال الإعلام اللبناني عن إشكاليّة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، أجاب أنّ "الإشكاليات كثيرة ولن تحلّ في لحظةٍ واحدة، والأولويّة الآن لجعل سوريا قويّة ومتينة قبل أي شيء حتّى تتمكّن تدريجياً من استعادة علاقات خارجيّة سليمة مع جوارها".
اليوم هرب الأسد، و"حزب الله" وافق علناً على اتفاق يلزمه تلك الاتفاقيات، وعليه، وانطلاقاً من النيات الحسنة التي تعلن عنها السلطة الجديدة في سوريا ومعها السلطة اللبنانية التي ستتكوّن مع رئيس جمهوريّة وحكومة جديدين، عليهما العمل الجادّ لتطبيق القرار 1680 وغيره من القرارات الدّولية ليكون مصير تلك الأراضي المتنازع عليها كمصير باقي الأراضي التي انسحبت منها إسرائيل. هو التوقيت المناسب لتحقيق هذا الترسيم الذي يثبت الحدود بين الدولتين وينهي إشكالية كبيرة لاستعادة العلاقات إلى مكانها الطبيعي.
استقامة العلاقة بين لبنان وسوريا على قاعدة احترام سيادة الدولتين، الأمر الذي لم يكن ممكناً مع النظام السابق، أمر أساس يصبّ في مصلحة لبنان الذي يبحث عن انطلاقة جديدة تُخرجه من مستنقع الأزمات التي أنهكت شعبه ومؤسساته، وفي مصلحة سوريا ولحكمها الجديد الذي تراقبه جميع الدول. فالمُنتظر من الحكم السوري الجديد هو أداء يغيّر صورة سوريا ويعيد إليها الحياة ويعطي شعبها فرصة جديدة يستحقها في الأمن والسياسة والاقتصاد.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك