كتب ريمون مارون من مركز الشرق الأوسط للأبحاث والدراسات الاستراتيجية MEIRSS:
لطالما كان الموت عنصرًا أساسيًا في الفكر السياسي والفلسفي، حيث يُستغل كأداة للسلطة أو وسيلة للتعبئة الجماهيرية. السلطة الحديثة لا تمارس سيطرتها فقط من خلال الإكراه المادي، بل عبر تشكيل أنظمة المعرفة والخطاب التي تعيد تعريف مفاهيم الحياة والموت، مما يسمح لها بإعادة إنتاج شرعيتها. في هذا السياق، يمكن فهم تشييع حزب الله لقادته وكوادره ليس كمجرد طقس جنائزي، بل كفعل سياسي متعمد يعيد إنتاج سرديته العقائدية، ويؤسس لشرعية دائمة تستند إلى "المظلومية المقاومة". هذا الخطاب ليس جديدًا، بل هو امتداد لاستراتيجيات استخدمتها الحركات الأيديولوجية الكبرى عبر التاريخ، من الثورة الإيرانية إلى الأنظمة الفاشية، حيث يتم تحويل الخسارة إلى نصر رمزي يعيد تثبيت العقيدة في أذهان الأتباع.
- التشييع وإنكار الهزيمة: قراءة في سيكولوجيا السلطة
تمر الجماعات البشرية بمراحل مختلفة في التعامل مع الفقدان، تبدأ بالإنكار ثم الغضب والمساومة والاكتئاب وأخيرًا القبول. لكن الأحزاب العقائدية، وخصوصًا تلك التي تبني مشروعها على فكرة "النصر الإلهي"، غالبًا ما تعلق في مرحلة الإنكار، حيث يصبح الاعتراف بالهزيمة تهديدًا وجوديًا لها. بدلاً من التعامل مع الخسارة كواقع، يتم تحويلها إلى "استشهاد" أو "تضحية في سبيل القضية"، مما يسمح بإعادة تأكيد شرعية الحزب ورفع منسوب الاستنفار الداخلي. يمكن مقارنة هذا النهج بما قامت به حركات أيديولوجية أخرى في التاريخ، حيث تحوّلت الهزائم العسكرية إلى محطات لإعادة بناء الروح القتالية، كما فعلت النازية في أيامها الأخيرة حين لجأت إلى خطاب "النصر المعنوي" لتبرير خسائرها.
- التشييع والتعبئة الجماهيرية: بين الطقس والسلطة
الطقوس الجماعية تؤدي وظيفة مزدوجة: تعزيز التماسك الاجتماعي وإعادة إنتاج النظام القائم عبر خلق لحظات انفعالية مشتركة تربط الأفراد بالمجموعة. في حالة حزب الله، يتحوّل التشييع إلى ذروة هذه الطقوس، حيث يتم توظيف الحزن الجماعي لإعادة شحن الجماهير وتحويل الألم إلى قوة دافعة لاستمرار المشروع العقائدي.
هذا النهج يشبه ما قامت به الثورة الإيرانية، حيث استُخدمت الطقوس الجنائزية لحشد الجماهير وتعزيز مفهوم "الجهاد المستمر" ضد الأعداء. حزب الله يتّبع الاستراتيجية ذاتها، حيث يُستخدم التشييع لتعزيز مفهوم "المظلومية المقاومة"، ما يسمح له بربط الحاضر بالماضي ضمن إطار أسطوري يجعل أي خسارة عسكرية مجرد مرحلة مؤقتة في صراع أبدي، تمامًا كما تحوّلت مأساة كربلاء إلى دافع لشرعية دائمة في الوجدان الشيعي.
التشييع كأداة في الدولة الموازية
الأحزاب العقائدية تسعى دائمًا لبناء "دولة موازية" داخل الدولة الرسمية، حيث تخلق مؤسساتها ونظامها الرمزي الخاص الذي يمنحها الشرعية حتى في غياب السلطة الرسمية. حزب الله، من خلال سيطرته على الخطاب الديني والسياسي في بيئته، يجعل من التشييع مناسبة لإعادة تأكيد سلطته المزدوجة: الدينية والعسكرية.
في هذا السياق، يمكن مقارنة استراتيجيات الحزب مع استراتيجيات حركات أخرى مثل الإخوان المسلمين في مصر أو الحرس الثوري الإيراني، حيث يُستخدم الطقس العقائدي ليس فقط لإعادة تأكيد الولاء، بل أيضًا كأداة لفرض الهيمنة على المجتمع ومنع أي نقاش داخلي حول شرعية المشروع السياسي للحزب. فالتشييع لا يُستخدم فقط كأداة دينية، بل كأداة سياسية لإعادة تثبيت السردية العقائدية وإسكات أي محاولة للمساءلة الداخلية.
التشييع في حزب الله ليس مجرد حدث، بل هو إعادة تفعيل لسردية سياسية تحاول إخفاء أزمات الحزب الداخلية والخارجية. لكن السؤال الأهم ليس ما إذا كان الحزب سينجح في توظيف هذا الطقس مرة أخرى، بل إلى متى يمكنه الاستمرار في إنكار التحولات الإقليمية والدولية؟ فالتاريخ يثبت أن الجماعات العقائدية التي تبني شرعيتها على الموت، غالبًا ما تجد نفسها عاجزة عن إدارة الحياة.
التشييع العقائدي: بين وهم الخلود وإنكار الهزيمة
الــــــســــــابــــــق
-
الأمين العام لاتحاد النقابات السياحية جان بيروتي لـmtv: التطورات السياسيّة من مواقف رئيس الجمهورية وطريقة تشكيل الحكومة تركت إيجابية لدى المواطنين إضافة إلى بدء البحث مع شركات أجنبية بشأن مجيئها إلى لبنان قريباً
-
عبود دشّن غرفة عمليات فوج حرس مدينة بيروت في الكرنتينا
-
محفوظ زار وزير الداخلية: تشديد على دور الإعلام في صناعة الرأي العام
-
أبو فاعور: هؤلاء سيسقطون مؤامرة العدو الاسرائيلي القديمة الجديدة
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك