وجّه نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى العلامة الشيخ علي الخطيب رسالة الجمعة، قال فيها:
"قال تعالى في كتابه العزيز: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلَا تُطِعِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمٗا * وَٱتَّبِعۡ مَا يُوحَىٰٓ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٗا * وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلٗا).
هذه الآية المباركة تتحدّث عن القوى التي واجهت رسول الله محمداً (ص) بوصفه النبي الخاتم لرسل الله وقائداً لحركة التغيير التاريخية والتحوّلات العالمية الى مراحلها النهائية من الارتقاء بالوعي البشري وتصحيح نظرتها لأهداف الخلق والوجود التي تهديها وجهة ارتباطها وتحصرها بالله سبحانه وتعالى الحقّ وتحول دون انحراف سيرها في الطريق الخاطيء الذي توحي به الاوهام والتخيلات وأهواء النفس وانفعالاتها التي تضغط القوة العاقلة وتُعطّلها لتفسح لها المجال في الأخذ بها بعيداً عن الحق وهو ما عبّرت عنه الآية المباركة: (فَذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ ۖ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ۖ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ).
فالآية الكريمة تُخاطب النبي بهذه الخصوصية والخلفية ومن خلاله المؤمنين ممن آمن واهتدى به ، وتُذكّرهم أن بلوغهم هذا المقام إنما كان بسبب التقوى التي يُراد منها هنا والله اعلم التحرر من هيمنة الاهواء وسلطة الوهم والتخلص من سلطة النفس وانفعالاتها وجاذبيتها القوية والتعلق بهدي القوة العاقلة التي ينحصر بها طريق النجاة والوصول إلى الحقائق، والتأكيد على النبي (ص) والمؤمنين من خلاله على هذه التقوى بقوله تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلَا تُطِعِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمٗا). والتوجيه لهم إلى خطورة الدور الذي تقوم به كل من هاتين الفئتين من حالة التضليل والتشكيك الى جانب عوامل الوهم وأهواء النفس فتزيد من عوامل الضغط النفسي من الاوهام والاهواء الذي قد يؤثر على القوة العاقلة ويُعطّل دورها في الهداية إلى طريق الحق".
أضاف : "فالكفر والنفاق عاملان خطيران يعملان على إثارة القوة الواهمة وتزيين ما توحي به أهواء النفس يضعفان القوة العاقلة لتعطيل دورها وحجبها عن الفاعلية ورؤية الحقائق ولذلك قال تعالى: (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ).
هذا من حيث المبدأ والفكرة، وأيضاً من حيث السلوك والتأثير النفسي بما يُظهِره هؤلاء من الحرب النفسية والتظاهر بما يملكه هؤلاء من مظاهر القوة المادية لإرهاب المؤمنين والاستظهار عليهم بها في معادلة القوة المادية في مواجهة قوة الايمان المعنوية التي تتأثر بها النفس وتخدع فتضعف، لأن القوة المادية قوة محسوسة ظاهرة بخلاف القوة المعنوية التي تحتاج الى قوة الايمان، وهذه المعادلة معادلة القوة المادية الخادعة والقوة الايمانية المعنوية التي تحتاج الى قوة الايمان هي ساحة رحبة للإمتحان الذي يمتحن الله بها إيمان المؤمنين كما هي مجالاً لإظهار غَلَبة الايمان والقوة المعنوية على القوة المادية، ولذلك يُحذّر الله تعالى المؤمنين من الانخداع بما يروج له الكافرون والمنافقون، والأخذ به وألا يُرهِبهم ما يرونه من مظاهر القوة لدى هؤلاء قال تعالى: (لَن يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى ۖ وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ).
إن ما يتظاهرون به من قوة مادية لن تُبلِغهم نصراً وان تأثيرها لا يتجاوز الاذى وهو الضرر القليل، لأن القوة الحقيقية هي لله تعالى أي للإيمان والقوة المعنوية وما نُعبّر عنه بقوة الحق التي كتب الله لها الانتصار.
وهذه المعادلة هي مورد الامتحان الالهي الدائم على المدى التاريخي ومنذ أن وُجد الإنسان على الأرض والذي تجسّد في الصراع بين الايمان والكفر وبين القوى المؤمنة والقوى الشيطانية شكّلت فيها قوى النفاق حالة الضعف في المجتمع المؤمن لأنها تمثل العدو الخفي الذي يتآمر من الداخل بصورة الناصح والعامل من أجل المصلحة العامة بخلفية الإنتقام لحقده وتحقيق اهدافه الخبيثة، وهو في واقعه أحد عوامل الضعف الخطيرة للدور الخطير الذي يقوم به من التشكيك والاحباط النفسي والتثبيط عن المواجهة تماهيا لأهداف العدوان واقتناص الفرصة للسيطرة الذي يستدعي فضحه ومواجهته وإضعافه عن التأثير في البيئة الداخلية خصوصاً لدى ضعاف الايمان والنفوس عبر التضليل الفكري والاعلامي والسياسي وإيجاد الفوضى الداخلية للضغط على القوى المقاومة وفرض شروط العدو السياسية للاستفادة منها لتغير معادلات سياسية داخلية بالتحالف والتعاون مع القوى الخارجية المعادية".
وتابع :"إنّ المواجهة معها يكون بإفشال أهدافها بالحفاظ على الوحدة الوطنية وتوحيد الموقف من العدوان وانه عدوان ليس على فئة أو طائفة بعينها وإنما عدوان على لبنان واللبنانيين جميعاً، وقد تجلى ذلك حتى الآن في استضافة كريمة من سائر أبناء المناطق اللبنانية لإخوانهم ممن اضطرهم العدوان لترك مناطقهم وقراهم.
ثانياً: في القمة الروحية التي انعقدت استثنائياً في بكركي بدعوة كريمة من غبطة البطريرك الماروني وحضور ممثلي العائلة اللبنانية الذي عَبّرَ عن وحدة الموقف الوطني الذي اعتبر أن العدوان عدواناً على لبنان يرفضه ويدينه الشعب اللبناني مطالباً مجلس الامن الدولي بفرض وقف هذا العدوان وإدانته، كما تجلّى بوحدة الموقف الرسمي المطالب بوقف اطلاق النار، والانسجام بين موقف المقاومة والرسمي على هذا الصعيد والزام العدو بتنفيذ القرار الدولي ١٧٠١".
واستطرد الخطيب :"هذه المواقف المستندة إلى ما تنجزه المقاومة وقوتها وثباتها في الميدان وتفشيل وإعجاز العدو من تحقيق أي إنجاز ميداني حيث بدت الأصوات المُثبّطة والتي تعتمد لغة العدو واللغة الانهزامية بدت نشازاً أمام الموقف الوطني الموحد وأمام الموقف الشجاع والمضحي والثبات رغم ما تتحمله وتدفعه من أثمان غالية من النفوس الزاكية والدمار الذي يُحدِثه العدوان في البيوت والأرزاق ومن أمنها واستقرارها، وتُعبّر مع كل ذلك عن صحة خيارها وتمسكها به دفاعاً عن لبنان وأهله الكرام.
لقد أفشل اللبنانيون الكرام مخطط العدو في تأليب المناطق المستضيفة لإخوانهم التي يستهدفها العدو لهذه الغاية وأوصيهم وهم لا يحتاجون الى توصية فلديهم من الوعي الكفاية بمراعاة خصوصيات المناطق وألا يتركوا للمستفزين أن يُحققوا مآربهم في إيجاد الحساسيات الطائفية والمذهبية وأن يكونوا كما هم (أديبين) اذا صحّ التعبير في التعاطي مع مستضيفيهم".
وقال: "إنّ العدو الجبان الذي يفشل في الميدان يلجأ إلى ضرب المدنيين والانتقام منهم لخسائره في الميدان وملاحقتهم في المناطق المختلفة التي لجأوا إليها أمام أنظار العالم ومؤسساته كمجلس الامن والمؤسسات الدولية دون اكتراث منها، والتي انفضحت وبانت على حقيقتها في غزة أمام هول الارتكابات الصهيونية قبل أن تُكررها في لبنان وخصوصاً في الجنوب الأبي الصامد والبقاع أهل الحمية والتضحية والمجتمع الدولي لا ينبس ببنت شفة مما يُثبت بلا شك أنه شريك في الجريمة والعالم العربي يتفرّج على الكارثة دون أن يهتز له شعور أو يرف له جفن للأسف، الذي يثبت للجميع أن ليس أمامنا الا الاعتماد على قبضات بنادقنا لدفع شر هذا الكيان اللقيط عن بلادنا وقد خُيّرنا بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة، ولن نعطيهم بأيدينا اعطاء الذليل ولن نُقرّ لهم إقرار العبيد، ولن يتمكن العدو من تحقيق غاياته الخبيثة بإسقاط راية المقاومة أو أن يهزم إرادة شعبنا بالاغتيالات لقادة المقاومة في لبنان وفلسطين، وستبقى إرادة رفض الانصياع له قويةً حتى تحقيق النصر المؤزر بإذن الله تعالى".
ووجه الخطيب تحية "للشعب الفلسطيني الذي فقد بالأمس قائدا وبطلا شجاعا ومقداما ارتقى في ساحة الوغى وهو يقاتل العدو في سبيل قضية الامة وكرامتها إلى جانب أبناء شعبه العزيز دون أن يتزحزح قيد أنملة عن بلوغ أهدافها، فهنيئاً له الشهادة وبوركت أمة ولاّدة للأبطال".
وقال: "إنّ شعبنا عزيز وله الحق في أن يكون التعامل معه بعزة واحترام وهو يضحي من أجل لبنان وكرامة شعبه، لذلك فوقوف الدولة إلى جانبه ليس مِنة وإنما هو واجب، لذلك فالمطلوب إنجاز الداتا للمقيمين في البيوت بأقصى سرعة والقيام بإيصال المساعدات إليهم، كما المطلوب من الدولة أن تُنظم هذه المساعدات حسب الاحتياجات وألا تكون مكررة، كما يجب أن يحسب اننا على أبواب الشتاء مما ينبغي أن يحسب حساب التدفئة والمحروقات وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ربنا افرغ علينا صبرا وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين:
(قَٰتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍۢ مُّؤْمِنِينَ)
(الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك