جاء في "الأخبار":
لم يترك العدو أي أثر لكل ما نقله الأميركيون إلى الحكومة حول وقف القصف في بيروت والضاحية. فبعد ساعات على تصريحات رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، عن «ضمانات أميركية بتخفيف التصعيد في بيروت والضاحية» قصف العدو مباني سكنية في الضاحية الجنوبية، ما دفع بميقاتي إلى الإعلان أنه لا يبدو أن هناك جدوى من التوجه إلى الأمم المتحدة لطلب وقف إطلاق النار. واستغرب ميقاتي ما حصل، بعدما قام لبنان بما هو مطلوب منه، إذ أعلن ميقاتي نفسه عن «الاستعداد لتعزيز الجيش في الجنوب وسحب كل الذرائع من إسرائيل لمنعها من استهداف المطار».
وواصل العدو هجومه الجوي ضد المدنيين، وتدمير البنى التحتية في الجنوب والبقاع، مستعجلاً تحقيق إنجاز ميداني، من أجل تمهيد الأرضية للولايات المتحدة وحلفاء آخرين له لإطلاق ما يسمّونه «ورشة اليوم التالي للبنان من دون حزب الله».
ويتصرف الأميركيون، بمشاركة أوروبية وعربية، وكأنّ حزب الله انتهى فعلاً، وأن وضعهم اليد على البلد من خلال عملائهم السياسيين وغير السياسيين مسألة وقت. ويعتقد الأميركيون بأنه على عكس غزة حيث لا يوجد بديل لـ«حماس» يُمكن الاتكال عليه، لا إدارة مدنية ولا عشائر ولا غيرها، فإن في لبنان مجموعات كبيرة جُندت وجُهزت ومُوّلت لخدمة المشروع الأميركي في كل القطاعات الأمنية والعسكرية والقضائية والمالية والاقتصادية والسياسية، وهؤلاء جاهزون للمهمة الموكلة إليهم بإدارة البلد بالنيابة عن الأميركيين.
ويردد أنصار الولايات المتحدة أنها تريد تحييد بيروت ومناطق أخرى إلا من استهدافات محددة لشخصيات من المقاومة، وأنها طلبت من إسرائيل عدم تحويل لبنان إلى غزة، وأنها هي من يمنع العدو من استهداف البنى التحتية والطرقات الأساسية والمرافق الحيوية.
ويبرّر مروّجو هذه الأخبار ذلك بأن واشنطن لا تريد أن يكون الأمر صعباً أمام من تظن أنه سيتسلم زمام الأمور في المرحلة اللاحقة، مع تركيز على دور الجيش بقيادة العماد جوزيف عون.
وفي الوقت نفسه بدأت بعض الدول تعرب عن استعدادها لتولي دور مستقبلي في «لبنان ما بعد حزب الله»، مثل دولة الإمارات التي عرضت تسليح الجيش اللبناني، بينما لا تزال عين الفرنسيين على المرفأ وقطاعات اقتصادية أخرى، وسطَ تقديرات بأن هذا الأمر ستنتج عنه الكثير من الخلافات بين الطامحين.
وفيما ينحصر اهتمام الأميركيين وأنصارهم بهذه السيناريوهات الوهمية، فإن بيروت لم تسجل أي مبادرة بشأن وقف إطلاق النار. بل هناك قناعة أكثر من أي وقت مضى، بأن الأميركيين لا يريدون أي هدنة قريبة بل يطمحون إلى إنجاز عسكري إسرائيلي يُترجم استسلاماً في الداخل.
وكان لافتاً ما أعلنه النائب السابق وليد جنبلاط أمس بأن لا علم له بالضمانات التي يجري التداول بها. وقال جنبلاط بعد لقائه الرئيس نبيه بري: «موقفنا مع بري وميقاتي واضح وهو وقف إطلاق النار على قاعدة القرار 1701 وانتخاب رئيس وفاقي، ومهما صدرت من مواقف غير مؤيدة للقاء الثلاثي فنحن نقبل بالحوار». وأشار إلى أن «هناك مؤتمراً في باريس لمساعدة لبنان ونتمنى على الدول الكبرى وخصوصاً فرنسا والولايات المتحدة المساعدة العملية والفعالة للجيش اللبناني كي يتمكن من القيام بالمهمة الموكلة إليه». وبعد لقائه ميقاتي، صرّح جنبلاط بأن «وثيقة الطائف واضحة جداً لناحية بسط سيادة الدولة على الأراضي اللبنانية كافة وأتمنى العودة إليها والتمسك بها، وهي تشتمل على تأكيد تطبيق اتفاق الهدنة الذي وُقّع بين لبنان وإسرائيل سنة 1949».
العواصم الأوروبية تبدو بدورها مستعجلة للحصول على مكاسب سياسية على وقع ما تعتبره إنجازات للعدو، خصوصاً انتخاب رئيس للجمهورية تحت النار. وقد تناولت المنسّقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جانين هينيس بلاسخارت الملف الرئاسي خلال لقائها الرئيس بري قبل أيام، مشيرة إلى «ضرورة الدعوة إلى جلسة انتخابية في مجلس النواب في أسرع وقت».
ومع أن بري كان واضحاً في رده على الدبلوماسية الأوروبية بأن «الوقت غير مناسب لانتخاب رئيس الآن، لأن لبنان يتعرض لعدوان إسرائيلي والأولوية الآن لوقف إطلاق النار»، إلا أن بلاسخارت بدت مصرّة على مطلبها، لافتة إلى أن «انتخاب الرئيس يمكن أن يكون مفتاح الحل وقد يؤدي إلى اتفاق لوقف إطلاق النار»، ما دفع بري إلى الرد عليها بالقول: «إنه بصرف النظر عن وجهة النظر هذه، هناك كتلة كبيرة في مجلس النواب هي كتلة الوفاء للمقاومة التي يتعيّن على أعضائها المجيء إلى الجلسة فيما هم معرّضون للاغتيال وهناك تهديد إسرائيلي واضح باستهدافهم»، سائلاً: «هل هناك ضمانات بعدم استهدافهم وهم في طريقهم إلى الجلسة أو حتى خلال تواجدهم في مجلس النواب وتحديداً رئيس الكتلة النائب محمد رعد؟ وهل هناك ضمانات بعدم حصول ذلك؟»، فأجابت بلاسخارت بأن «أحداً لا يمكن أن يضمن عدم حصول ذلك».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك