كتب كبريال مراد في موقع mtv:
تبدأ معالجة الأمور بالاعتراف بالواقع. فما نعيشه يؤكد أننا لسنا شعباً واحداً. حروبنا ليست واحدة، همومنا ليست واحدة، تطلعاتنا ليست واحدة، أحزاننا ليست واحدة، أفراحنا ليست واحدة.
منذ نشأة الكيان اللبناني، "والعلّة" في تكوينه. فحينما كتب جورج نقاش مقالته بعنوان: "نقيضان لا يصنعان أمّة"، كان التوجّس من الآخر حاضراً. ولم تنفع يومها احتفالية "لا للشرق ولا للغرب" في تذويب المخاوف والاختلافات والتطلّعات غير الملتقية. فكانت ثورة الـ ١٩٥٨ في نهاية عهد الرئيس كميل شمعون، "وفتح لاند" العام ١٩٦٩، والحروب المتقاطعة والمستمرة بأسماء وأشكال مختلفة على مدى سنوات.
فجاء "الطائف" بمظلتين عربية ودولية، ليشكّل "وقفاً لاطلاق النار" لا للحرب. واستمرت العقلية ذاتها في الحكم، وبدل ان تصبح الميليشيات دولة، حوّلت الدولة الى "كونتونات" للاستفادة و"الهبج" وملء الجيوب وبناء الزعامات… فكان ما كان ممّا نعرفه ونعاني من تبعاته من تحلّلٍ للدولة وانهيارٍ ماليّ واقتصاديّ.
صحيح أنّ لبنان، دستورياً، وطن سيّد حرّ مستقل، عربي الانتماء والهوية، جمهورية ديموقراطية برلمانية. لكنّ، هذه "الثوابت" الواردة في مقدّمة الدستور لم تطبّق يوماً فعلياً.
فبقيت دولٌ تتصارع على المساحة الجغرافية المفترضة لـ "الأمّة اللبنانية". ونشأت معها دولٌ، لا دويلة واحدة، ضمن الدولة. والأكيد أنّ دولاً على مساحة جغرافية واحدة لا تصنع وطناً.
وإلاّ بماذا نصف ما نعيشه اليوم؟ في الحروب، لا داعي لدعوة الشعب الى التضامن. إذ يجد نفسه تلقائياً مندفعاً للدفاع عن أرضه وأهله وناسه، عن دولته وتاريخها واستمراريتها. أما عندنا، فمجرّد الدعوة للتلاحم والتضامن والتكاتف، لهو دليل على التباعد والتفكك والتنافر.
يحدث ذلك، بينما المؤشرات والمعطيات تنذر بأن "الجايي أصعب من يلي راح". لذلك، لا يمكن مقاربة التحدّيات بعقلية التباعد والتمريك وتسجيل النقاط. بل بقناعة كيفية الحفاظ على ما تبقى. وفي حال الجدّية، ووضع مصلحة البلد قبل أي مصلحة أخرى، قد يقود ذلك الى فرصة تأمين انتخاب "الرئيس المشروع" القادر على فرملة الانحدار الى الهاوية.
وبعد انتهاء الحرب، لا بد من طرح السؤال التالي: أيّ لبنان نريد؟ وكيف نبنيه؟ وكيف نحافظ عليه؟ حتى لا نعيد طرح الأسئلة نفسها والهواجس نفسها والمخاوف نفسها، وحتى لا نعيش المأساة نفسها، بعد سنوات.
فمن الآخر، هذا هو المطلوب في اليوم الثاني لانتهاء الحرب، حتى لا تستمرّ "الكذبة".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك