كتب نقولا ناصيف في "الأخبار":
وفرة التئييس الضارب في اللبنانيين من انتخاب رئيسهم يفرض تعلقهم بقشة يبصرونها خشبة خلاص. ذلك ما لم يعد يحدث. لا اجتماع الخماسية الدولية يلفتهم ولا اي اجتماع يعرّج على لبنان في اي مكان. صحّ قبلاً ويصحّ على الاجتماع الفرنسي - السعودي أخيراً.
دافع رئيس البرلمان نبيه برّي مجدداً عن وجهة نظره من الحوار الذي يدعو اليه على انه وحده المؤدي الى انتخاب رئيس للجمهورية. ذكّر بما قاله في ذكرى تغييب الامام موسى الصدر في 31 آب وبالجديد الذي ادخله الى مناداته بالحوار. امام زواره قال: «لم ينتبهوا الى انني عدّلت مبادرتي. نجتمع بضعة ايام للحوار بعدما قلت قبلاً سبعة ايام. بضعة ايام تعني اقل من خمسة. قلت بعد الحوار ادعو الى جلسة واحدة بدورات متتالية الى ان ينتخب رئيس للجمهورية، ولا نخرج الا بعد انتخابه، بعدما قلت قبلاً جلسات عدة بدورات متتالية. لا يريدون ان يقرأوا».خلص برّي الى الاستنتاج ان معظم الكتل باتت موافقة على الحوار والمشاركة فيه ما خلا فريقاً يرفضه، قاصداً حزب القوات اللبنانية. مع ذلك لا يريد رئيس المجلس الذهاب الى حوار لا ينضم اليه هذا الفريق. يستغرب ان تُعد دعوته الى الحوار عُرفاً يُخشى منه ويقول: «لم اسمع يوماً احداً يقول ان الحوار مخالف للدستور او يعدّله».
ينتهي المطاف بملاحظته اخيراً ان لا انتخاب وشيكاً للرئيس.
تكاد تمسي هذه القاعدة الفعلية التي تحوط بالاستحقاق على انه مؤجل الى امد غير معروف. نصف تعطيله داخلي هو الانقسام المحلي، والنصف الآخر خارجي لا مبالٍ به في الوقت الحاضر لانصرافه الى انشغالات اقليمية ودولية اهم.
احدث ما يتلهى به الدائرون المحليون في فلك الاستحقاق استخراج عناصر جديدة في تبرير دوافع تعذّر انتخاب الرئيس:
أولها وأحدثها تفكك احدى الكتلتين المسيحيتين الكبريين اللتين حالتا دون انتخاب رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، هي التيار الوطني الحر بخروج اربعة نواب منه (الياس بوصعب وآلان عون وسيمون ابي رميا وابراهيم كنعان) بعدما خرج قبلاً اثنان (محمد يحيى وجورج بوشكيان). تدنى عدد اعضاء كتلته من 21 الى 15 نائباً من بين هؤلاء خمسة نواب مدينون بانتخابهم لحليفه السابق حزب الله. الاكثر مدعاة للضعف انه فقد تمثيله في الدوائر المفترض انها تعبّر عن شعبيته وحيثيته السياسية في جبل لبنان المنتخبين بأصوات قاعدته (بعبدا والمتن وجبيل). مغزى صورة الضعف المضفاة على التيار الوطني الحر ان التمثيل المسيحي اضحى موزعاً على ثلاث كتل مسيحية اقواها حزب القوات اللبنانية محتفظاً مع حلفائه من غير الحزبيين بـ20 نائباً. الكتلة الثالثة باتت تجمع خليطاً ممن يؤيد انتخاب فرنجية، وممن ينفر من التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية، وممن يتفرجون على مسار اللعبة قبل الالتحاق بأي من الخيارات التالية.
ثانيها الارتياح المُعبَّر عنه في اوساط فرنجية نقلاً عنه، انه بات اكثر اطمئناناً الى ثبات ترشّحه وتقدمه سواه من المرشحين الجديين او الوهميين. في الاشهر المنصرمة أشعره اندلاع حرب غزة بيقين تمسّك الثنائي الشيعي به اكثر مما قبل في ضوء تطورات جبهة الجنوب كانعكاس للحرب تلك، وتالياً حاجة حزب الله بالذات الى رئيس حليف له في المرحلة التالية لانطفاء حرب غزة. اخيراً تخلّص فرنجية مما كان يزعجه ان يسمعه هو كما المحيطون به وزراء ونواباً من حين الى آخر من سفراء دول رئيسية من بينهم سفراء الخماسية الدولية وتحججهم بأن المانع الفعلي لوصوله الى قصر بعبدا هو رفض كتلتين مسيحيتين كبريين تأييده. ما لا يسعه الحصول على تأييد المجتمع الدولي له بينما لا يحظى بدعم طائفته لترشّحه.
قبل الوصول الى التطور الاخير اصر فرنجية مرة تلو اخرى احداها امام البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي على القول انه «مرشح طبيعي»، في جواب مزدوج هو حقه في الترشّح وجزمه بعدم تخليه عنه. بعد محنة التيار الوطني الحر اجرى النائب طوني فرنجية ومعاونوه عدّاً للاصوات المحسوبة مؤيدة لترشيح والده، فخرجوا برقم 63 نائباً يقفز عن الرقم المحصَّل في جلسة 14 حزيران 2023 بنحو 12 صوتاً جديداً. على انهم يقرون بلبّ ما ينقصهم وهو الحاجة الى التيار الوطني الحر او حزب القوات اللبنانية لالتئام نصاب الثلثين.
ثالثها هي المعضلة الفعلية التي تحول دون انتخاب الرئيس، الناجمة عن ان اياً من الافرقاء بمن فيهم الثنائي الشيعي المفترض انه اقواهم واوسعهم تأثيراً، عاجز عن توفير نصاب الثلثيْن في مجلس النواب بغية التئام الجلسة اولاً قبل انتخاب الرئيس. قيل منذ مطلع الاستحقاق في الاشهر المنصرمة ان توزّع المجلس على كتل بعضها صغير والآخر اكبر وتشتتها على الخيارات ومقاربة المصالح والحسابات وتعذّر امتلاك اي منها الغالبية المطلقة، يعكس مصدر استعصاء اجتماع 86 نائباً في القاعة.
ذلك ما حمل برّي رداً على سؤال اخيراً عن تأثير الشغور الرئاسي مع دخوله السنة الثالثة على الانتخابات النيابية المقبلة بعد سنة ونصف سنة، بالقول: «ان شاء الله لا نصل الى هذه المشكلة. سنكون امام مشكلة اخرى الى تلك هي قانون الانتخاب المُختلف عليه بين مَن يريده ومَن لا يريده، والحاجة الى اعادة النظر فيه. القانون النافذ لا يصلح للتطبيق لأننا ملزمون انتخاب ستة نواب للاغتراب لم يصر بعد الى تحديدهم وتوزّعهم على الطوائف والقارات».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك