كتب فؤاد بزّي في "الأخبار":
بعد بلوغ العتمة في منتصف آب الماضي، وبقاء شبكة الكهرباء العامة بلا تغذية لنحو 15 يوماً، تدفّق الوقود من كلّ حدب وصوب على مؤسّسة كهرباء لبنان مع مطلع شهر أيلول الجاري. ففي يوم واحد، وصلت باخرة محمّلة بمادة «الفيول أويل» مرسلة من الجزائر إلى لبنان على سبيل الهبة، وباخرة أخرى محمّلة بمادة «الغاز أويل» الذي اشترته وزارة الطاقة بمناقصة عمومية في تموز الماضي. إذاً، كيف ستتعامل وزارة الطاقة مع الوفر النسبي في الوقود؟ في مطلع هذا الأسبوع، وصلت هبة النفط الجزائرية إلى لبنان، وأعطت وزارة الطاقة والمياه الإذن بتفريغ 30 ألف طن من مادة «الفيول أويل» في منشآت النفط في طرابس.
وبدأت الباخرة «عين أكر»، يوم الإثنين، بتفريغ حمولتها بعد الانتهاء من تنظيف خزانات النفط وأنابيب المصبات البحرية، وفقاً لبيان مؤسسة كهرباء لبنان. ومن المتوقّع أن تنتهي العملية خلال 48 ساعة، إنما من دون أن تدخل مادة «الفيول أويل» الجزائرية في عملية إنتاج الكهرباء. وفي الوقت نفسه، وصلت باخرة من مادة «الغاز أويل»، مدفوع ثمنها من رصيد مؤسّسة كهرباء لبنان، إلى معمل الزهراني، وبدأت بتفريغ حمولتها، على أن تنتقل لاحقاً إلى معمل دير عمار لتفريغ ما تبقّى من الحمولة في خزاناته، ما أتاح لمؤسسة كهرباء لبنان رفع القدرة الإنتاجية للمعامل الحرارية لتصل طاقتها إلى 400 ميغاواط، فضلاً عن 65 ميغاواط من المعامل المائية، ما يعني إعادة التغذية إلى ما كانت عليه قبل العتمة الشاملة، 4 ساعات يومياً.
ومع ذلك، طرأ في الأيام الأخيرة سؤال مهم حول سبب عدم استخدام الهبة الجزائرية في توليد الكهرباء، وتخزينها في منشآت النفط في طرابلس بدلاً من استعمالها في إنتاج الكهرباء؟ يقول وزير الطاقة والمياه وليد فياض إن «الفيول أويل المُقدّم من الجزائر مطابق للمواصفات اللبنانية، لا بل هو أفضل من الفيول grade B المستخدم في معملي الجية والزوق الجديدين»، إلا أنّ «المعامل الحرارية الكبيرة في دير عمار والزهراني لا تستخدم مادة الفيول أويل، بل الغاز أويل، وتشغيل هذه المعامل أساسي لتثبيت الشبكة». وفي المقابل، إن قدرة المحرّكات العكسية في معملي الجية والزوق تبلغ 270 ميغاواط، بينما تبلغ قدرة معملي الزهراني ودير عمار 930 ميغاواط «أما الشبكة فتحتاج إلى 500 ميغاواط على الأقل لتثبيتها» بحسب مصادر في مؤسسة الكهرباء. لذا، يشير فياض إلى أنه سيتم «تخزين الهبة الجزائرية في طرابلس مؤقّتاً، إما لاستبدالها بالوقود اللازم لتشغيل الزهراني ودير عمار، أو لاستعمالها لاحقاً لتشغيل المحرّكات العكسية في معملي الزوق والجية». بمعنى أوضح، وزارة الطاقة ستتصرف مع الهبة الجزائرية «وفقاً للجدوى الاقتصادية»، إذ إن «قيمة الفيول الجزائري أعلى من الموجود في لبنان، لذا بعد تفريغ الحمولة سندرس أيّهما أفضل، حرق هذه المادة في المعامل الحرارية التي تتواءم معها، أو استبدالها» يقول فياض. ومن جهة ثانية، يشير فياض إلى أن «مادة الفيول أويل grade B متوافرة في خزانات الجية والزوق بنحو 25 ألف طن، لكن لم تبدأ الشركة المشغّلة لهذين المعملين بالتشغيل» يضيف فياض. بالتالي «علينا معاينة عمل هذا المتعهد أولاً قبل إعطائه المزيد من الوقود».
أمام هذا المشهد، تدخل وزارة الطاقة في المرحلة الثالثة من خطّتها المكوّنة من 5 مراحل، وتؤدّي في نهايتها للوصول إلى تغذية بقدرة تزيد عن 800 ميغاواط، أي تغذية بنحو 10 ساعات يومياً. ففي منتصف آب إثر العتمة الشاملة قامت وزارة الطاقة والمياه بتحويل 100 ميغاواط من الطاقة المنتجة عبر المعامل المائية إلى الشبكة العامة لتغذية خطوط الخدمات العامة، أي المرافق الحيوية من مطار ومرفأ ومضخات مياه رئيسية وعدد من المستشفيات الحكومية الأساسية، وهذه كانت المرحلة الأولى من الخطة. ثمّ طلبت مؤسّسة كهرباء لبنان «إقراضها» 4 آلاف طن من مادة «الغاز أويل» من منشآت النفط، استُخدمت لإعادة تشغيل معمل الزهراني، ومعها بدأت المرحلة الثانية من الخطة التي أدّت إلى وضع طاقة بقدرة 300 ميغاواط على الشبكة. وفي مطلع شهر أيلول الجاري، بدأت المرحلة الثالثة من الخطة مع إفراغ حمولة مادة «الغاز أويل» في معملي دير عمار والزهراني، وخلال هذه المرحلة ستصل التغذية بالكهرباء إلى حدود 6 ساعات يومياً مع وصول الإنتاج إلى قدرة 600 ميغاواط، وهذا ما لمسه مواطنون في مناطق لأكثر من 15 يوماً من دون كهرباء مثل الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت.
ويتوقع فياض أن تبدأ المرحلة الرابعة من الخطة نهاية شهر أيلول الجاري مع وصول 60 ألف طن من مادة «الغاز أويل». فوفقاً لشركة النفط العراقية «SOMO»، تمّت تعبئة الباخرة بالفيول المخصّص للمبادلة في 24 من شهر آب الماضي. ومع بداية شهر تشرين الثاني المقبل، تبدأ المرحلة الخامسة والأخيرة من الخطة، يقول فياض، وفي حال استمرت الشحنات العراقية بالوصول بسلاسة، وبدأ المتعهد بتشغيل المحرّكات العكسية في معملي الزوق والجية ستزيد قدرة الطاقة الموضوعة على الشبكة عن 800 ميغاواط، وتصل التغذية إلى حدود 10 ساعات يومياً.
أعلنت وزارة الطاقة والمياه الأسبوع الماضي، عبر هيئة الشراء العام، إجراء مزايدة عمومية بغية «توريد كمية من مادة الغاز أويل، مقابل 30 ألف طن من مادة الفيول أويل، بطريقة المبادلة SWAP». وستؤمّن الوزارة مادة الفيول من الهبة الجزائرية المخصّصة لمؤسسة كهرباء لبنان، ونظراً إلى أهمية تشغيل معملي دير عمار والزهراني وعدم ملاءمة مادة «الفيول أويل» لهذين المعملين، ستتم مبادلة الوقود بمادة «الغاز أويل» الملائمة. وبحسب وصف الصفقة الصادر عن وزارة الطاقة والمياه، على الفائز بالمزايدة تحميل مادة «الفيول أويل» من «واحد أو أكثر من المصبات الآمنة في لبنان»، فالشحنة الجزائرية أُفرغت في منشأة النفط في طرابلس، ومن ثمّ تفريغ كمية من مادة «الغاز أويل».
وبحسب نص دعوة المشاركة في المزايدة، ستقوم وزارة الطاقة بعملية الاستبدال خلال مهلة 44 يوماً. ولكن، بناءً على تطورات خطة الكهرباء، توقّع وزير الطاقة والمياه وليد فياض «تأجيل موعد البت في عروض المبادلة». ويُذكر أنّه بدأت مدة العرض من السادس والعشرين من شهر آب الماضي، وتنتهي في الثامن من شهر تشرين الأول المقبل، على أن تُعقد جلسة التلزيم، وتُفتح العروض يوم الإثنين الواقع فيه التاسع من شهر أيلول المقبل.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك