كتبت هيام القصيفي في "الاخبار":
تراجع التهديد بتوسيع الحرب، على قاعدة توازن الردود المتبادلة بين إسرائيل وحزب الله، لا يلغي أن لبنان لا يزال في قلب الحدث العسكري مع إسرائيل. جبهة الإسناد بالنسبة إلى الحزب هي جبهة حرب مفتوحة بالنسبة إلى إسرائيل.
الانحسار الآني لموجة التهديد بتوسّع الحرب الإسرائيلية على لبنان وحزب الله لا يعني أن لبنان لم يعد في قلب العاصفة. ثمة فارقٌ كبير بين التلويح بحرب على قاعدة الردود والردود المتبادلة إثر عملية الضاحية الجنوبية، والرغبة الإسرائيلية في نقل الصراع مع حزب الله إلى مستوى آخر، واغتنام فرصة لن تتكرر لـ«حل مسألة الحزب» لمرة أخيرة، إذ إن توصيف الحرب الدائرة جنوباً كحرب إسناد بالنسبة إلى حزب الله، لا تعترف به إسرائيل التي تتعامل مع ما يجري على أنها حرب ترتفع وتيرتها وتخفّ بحسب المقتضيات العسكرية والأمنية والسياسية المتعلقة بها وبحجم المساندة الأميركية المفتوحة لها، ولا يستبعد احتمال نقلها في أي مرحلة إلى نوع مختلف من الحروب التي قد لا يكون لبنان شهد مثلها بخلفياتها وأهدافها، إن لم تنضج المفاوضات الأميركية - الإيرانية وتستقر على أثمان مقبولة، وحين تصبح اللحظة مناسبة لوضعيتها العسكرية، في ظل حشد أميركي هجومي متأهّب لمساعدتها.
تتقاطع معلومات غربية مع قراءة تداعيات وقف الاندفاعة نحو الحرب، ليس فقط أميركياً وإسرائيلياً، إنما أيضاً من جانب إيران وحزب الله. وإذا كانت طهران أكدت منذ البداية عدم رغبتها في توسّع الحرب، فإن إسرائيل كرّرت في رسائلها رفضها كذلك. لكنها كانت - ولا تزال - متمسّكة بمفصل أساسي يتعلق بمستقبل حضور حزب الله على الحدود الشمالية. ما تبدّل في الأيام الأخيرة ليس انقلاب موقف إسرائيل تجاه الحزب، إنما درس أعمق لانعكاس توسّع الحرب على المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية قبل الانتخابات الأميركية، ومراعاة لأوضاع سكان الشمال، وما حقّقته إسرائيل حتى الآن بما تعتبره غضّ نظر عربي ودولي لمصلحتها.
لبنانياً، قد يحمل نزع فتيل الحرب ظرفياً مفارقات مختلفة عن السائد. فجبهة الجنوب التي يفترض أن تكون جبهة إسناد، ستكون من الآن وصاعداً أقرب إلى مثال الصراع الدائم بين إسرائيل والضفة الغربية من خلال صدامات عسكرية ترتفع أو تخفت حدّتها بحسب الظروف السياسية والعسكرية. وما خلا الدخول العسكري الإسرائيلي المتكرر إلى الضفة، فإن جبهة الجنوب، بعد مرحلة استتباب منذ عام 2006 والقرار 1701، عرضة لأن تصبح شبيهة بجولات الكر والفر بين الفلسطينيين وإسرائيل، والأكثر خطورة أن تصبح أمراً واقعاً طويل الأمد، حتى ولو توقّفت حرب غزة. وهذه هي النقطة الأساسية في قراءة مفاعيل ما يتعلق بالتفاوض حول لبنان ومستقبل الجنوب، والقدرة على التعايش مع احتمالات مجهولة وسيناريو جديد بحيثياته، يختلف تماماً عن مراحل مواجهات سابقة بين الطرفين.
على الجبهة السياسية كذلك، فإن ما حصل حتى الآن نتيجة المفاوضات الدائرة حول غزة، هو أن لبنان دخل في قلب الصراع الفلسطيني - (الإيراني) - الإسرائيلي، بعد سنوات طويلة تأجّجت فيها الخلافات في لبنان والمنطقة حول ضرورة فصل أزمته عن أزمة الشرق الأوسط، فأُعيد اليوم دمج المسارات في المنطقة بين الساحات التي لإيران نفوذ فيها، ومنها لبنان الذي بات مصيره معلّقاً على مصير التفاوض الإقليمي، في وقت خرجت دول عربية من هذه المسارات، وتحررت من عبء القضية الفلسطينية، ولكل منها مصالحها: من قطر التي تسعى إلى ربط التواصل بين الإخوان المسلمين وإيران، ومصر التي تريد، وكذلك الأردن، عدم دفع فاتورة الحرب ونقل الصراع إلى أراضيهما، إلى سوريا التي أصبحت خارج اللعبة، فيما تحمي الصين الدور السعودي وتبعده عن تأثيرات الحركة الإيرانية. لذا، يصبح عنوان لبنان في التفاوض الجاري تحت سقف غزة أكثر حضوراً في المشهد الإيراني - الأميركي، وفي تحوّله إلى بند من بنود النقاش حول مستقبل دول المنطقة في ظل التحوّل الذي يشهده الصراع مع إسرائيل، سواء بالنسبة إلى من يريد إبقاء الصلات معها واستمرار فتح قنوات الاتصال، أو من يريد الإفادة من صعود الفورة الفلسطينية التي تبدّلت صورتها مع حدث 7 تشرين الأول، لتحقيق قفزة في نوعية الصراع العسكري. ولبنان عالق بين الحدّين، إلى أن ينضج التفاوض الأميركي - الإيراني. لكنه باقٍ في دائرة النار ما دامت إسرائيل لم تحسم بعد كيف ترى مستقبل الجنوب من وجهة نظرها، بما هو أبعد من حرب الاستنزاف التي تخوضها لأشهر مقبلة، لأن ما يتكرر في النقاشات الأميركية هو أن إيران وحزب الله وحماس لا يتعاملون مع التحول الإسرائيلي بعد 7 تشرين الأول، على أنه جوهري في المسار الأمني والعسكري، فيما إسرائيل مصرّة على إشهار أنها لن تعود إلى مرحلة ما قبل 7 تشرين، وتعويلها على الانتخابات الأميركية قد يتلاقى مع هذه النقطة، سواء بالنسبة إلى لبنان أو غزة والضفة الغربية.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك