كتب أحمد الأيوبي في "اللواء":
ليس قطاع الكهرباء وحده هو الذي انهار، فهناك عشرات القطاعات والوزارات تنهار بالتتابع والتدرّج، لكن بصمتٍ أقلّ وضجّة أخفّ لأنّها لا تملك التأثير الشامل الذي يتركه الانقطاع الكامل للتيار الكهربائي كما هو حاصل الآن، فوزارات الدولة متوقفة عملياً عن أداء مهامها، وها هو وزير الشؤون الاجتماعية يعجز عن تسيير برنامج «أمان» لصالح الأسر الأكثر فقراً، فيضع نفسه في تصرّف القضاء لكشف المعرقلين، ولكنّ القضاء نفسه بات شبه معطّل وقصور العدل مظلِمة بسبب انقطاع التيار عنها، بينما المكاتب الرئيسة لوزارة المال تعاني نقص الحبر في الطابعات ووزارة الأشغال يقوم شغلها على أساس «الحق» في استنساب الصرف و«تكسير رؤوس» من لا تعجبهم القرارات، ورئاسة الحكومة عالقة بين إتقان رئيسها للاتصالات الخارجية وعجزه عن التفاهم مع القوى الداخلية بعد أن فشل في وضع الحدّ الفاصل بين «حزب الله» والدولة، فسقطت حصانة حكومته لدى المعارضة.. وكلّ هذا يدفع إلى السؤال الكبير: ماذا يفعل اللبنانيون مع انهيار الدولة؟
لم يعد يُذهِل اللبنانيين توالي الكوارث ولا سقوط المزيد من أعمدة الدولة، بل إنّهم باتوا يتمنون سقوطها لالتصاق المفسدين بها، واختصاصهم بوزارات بعينها، فلم يعد أحد مهتماً بدولة لا يستفيد منها سوى النافذون وأصحاب السطوة وبات اليأس منها سائداً ومسيطراً على كلّ صعيد، وهذا المسار سيزداد قساوة وسلبية في الفترات المقبلة بسبب انسداد الأفق السياسي وغياب الحلول والفشل المقصود في تسيير القطاعات العامة، وتحويلها إلى وسائل انتقام وضغط طائفية بشعة.
يحاول الرئيس نجيب ميقاتي تجنّب المواجهة مع التيار الوطني الحرّ حفاظاً على ما تبقّى من حكومة تصريف الأعمال، بعد أن بلغت بجبران باسيل ووزرائه الصفاقة والوقاحة أن يقطعوا الكهرباء عن كلّ لبنان بمؤسساته الرسمية والخاصة وعن عموم الناس بعد التقنين الحادّ السائد أصلاً، ويذهب نحو طلب المعونة، حتى لا نستخدم عبارة أخرى، فبعد العراق جاء دور الجزائر للطلب منها إغاثة البلد ببضع بواخر من الفيول، وعلى افتراض التلبية، إلى متى يمكن استجداء المساعدات بهذا الشكل من العرب؟
هذا السؤال ليس له جواب طبعاً، لأنّ الدولة سارحة والله راعيها، فلا رؤية ولا خطة، بل تخبّط وصراعات، بينما ينهار الهيكل على رؤوس الجميع بالتكافل والتضامن، لكنّ الفارق أنّ أصحاب الأموال لديهم اليخوت واساطيل السيارات للهروب من البلد، بينما يتركون الناس لمصائرهم البائسة.
إذا كان لدى المعارضة تأثير باقٍ في المعادلة، فعلى نوابها التحرّك لفرض معادلات تستجيب لحاجات الناس، وخاصة تأمين التيار الكهربائي، ولا يمكن ذلك إلّا بالعودة إلى الحلول المحلية في المناطق بحيث يجري تعويم نموذج «كهرباء زحلة» واستعادة ملف «نور الفيحاء في طرابلس» والإفادة من مصادر الطاقة النظيفة ومن التطورات التقنية لتحرير اللبنانيين من عصابات السلطة الممسكة بوزارة الطاقة والمياه ومن مافيات المولدات الناشرة للسرطان في المناطق.
إنّ تفاقم الانهيارات في جسم الدولة، سيسمح لدعاة الفدرالية وربما التقسيم برفع أصواتهم بقوة أكبر هذه الجولة، وستكون التداعيات السياسية أكثر خطورة، لذلك، يقتضي الواجب من نواب المعارضة وتكتل الاعتدال والنواب المستقلين التحرّك لتطبيق خطة محلية للكهرباء في إطار اللامركزية الإدارية قبل أن ينفلت العقال وتسود الفوضى، وهذا ما يستدعي من «حزب الله» التجاوب وإبداء التعاون مع هذا المسعى، للتكفير ولو نسبياً عن تحالفه المدمِّر مع ميشال عون والتيار الوطني الحرّ، إذا كان فعلاً لا يريد للبلد الانقسام والانشطار.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك