كتب فؤاد بزي في "الأخبار":
يحاول رئيس الحكومة نجيب ميقاتي غسل يديه تماماً من مشهد العتمة الشاملة، وقد وجد فيها فرصة للهجوم على مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان والتلميح إلى مسؤولية رئيس المجلس والمدير العام كمال حايك الذي كان في إجازة رسمية. فميقاتي تغافل عن أنه كان، هو بشكل مباشر، سبباً لمرّة واحدة أقلّه، ببلوغ لبنان مرحلة العتمة الشاملة، وكلّف رئيس هيئة التفتيش المركزي «إجراء تحقيق فوري بموضوع الانقطاع الكلّي للتيّار الكهربائي». خطوة لم يقم بها في كل مرّات الانقطاع الكلي السابقة، ولم توازِها أيّ خطوات لمعالجة الأزمة في بلد استورد 3 ملايين طن من المازوت لتشغيل المولّدات الخاصة في 2023 بقيمة 2.74 مليار دولار، إلا أن حكومته تعجز عن تأمين شحنة واحدة من الفيول لتشغيل المعامل لمدة لا تزيد على 5 ساعات يومياً.
بحسب الرسالة الموجّهة من رئاسة الحكومة إلى التفتيش المركزي، والتي وزّعها ميقاتي على الوكالة الوطنية، فإن رواية ميقاتي تقوم على الآتي: في مطلع آب، عقد ميقاتي اجتماعاً حضره وزير الطاقة وليد فياض ورئيس مجلس إدارة الكهرباء كمال حايك، وتبلّغ منهما وجود نقص كبير في الفيول بعدما تأخّر وصول مادة الغاز أويل العراقي لأسباب تقنية ولوجستية. وبعد أيام، عقد اجتماع ثانٍ حضره حايك فقط، لبحث الحلول المقترحة، ثم عقد اجتماع ثالث في 12 آب حضره عضو مجلس الإدارة في كهرباء لبنان طارق عبد الله. وتجنّباً للعتمة الشاملة، جرى التوصل إلى صيغة «بمقتضاها تعمد المؤسسة إلى دفع قيمة الاعتماد الخاص بمناقصة سبق لوزارة الطاقة والمياه أن أطلقتها، إضافة إلى دفع جزء من مستحقات الدولة المتراكمة لمصلحة الجانب العراقي وإيداعه في الحساب المفتوح لهذه الغاية لدى مصرف لبنان».
وفي الجلسة الحكومية الأخيرة، وافق المجلس على خطة الطاقة لتجنب العتمة الشاملة، لكن مجلس إدارة الكهرباء لم ينعقد للسير في المرحلة الأولى منها، أي «استعارة الفيول من منشآت النفط»، ويعود السبب إلى «غياب المدير العام للمؤسسة كمال حايك في إجازة، من دون تفويض أحد من أعضاء المجلس بالصلاحيات المالية»، بحسب رسالة ميقاتي للتفتيش. وهنا لفت ميقاتي أيضاً في رسالته للتفتيش إلى «قطع حايك التواصل مع الجميع، ما أدى إلى تعطيل خطّة الطاقة، ووقوع أضرار مباشرة على المواطنين والمرافق العامة»، لذا طلب ميقاتي من التفتيش «إجراء التحقيقات اللازمة مع المعنيين بالمسألة، والإفادة، وترتيب المسؤوليات القانونية».
عملياً، قرار الحكومة الأخير لم يعالج المشكلة، بل عالج جزءاً منها، إذ إن تأخّر تنفيذ العقد العراقي، وبالتالي الحصول على 60 ألف طن من الوقود، كان يفترض معالجته قبل نحو شهر لتمكين الشحنة من الوصول في موعدها. وهذا الأمر دفع نحو البحث عن «خطّة الطوارئ» التي عمل عليها وليد فياض، واقترح الاقتراض من الجيش أولاً، ثم الاقتراض من المنشآت ثانياً، وهو أمر حصل في ظل إجازة حايك. وبالتالي، فإن التصويب عليه يبدو ظالماً. لكن ربما يهدف ميقاتي أيضاً إلى التصويب على العضو العوني في مجلس الإدارة كريم سابا، الذي لم يحضر جلسة مجلس الإدارة التي كانت ستناقش مسألة «اقتراض الفيول من الجيش أو المنشآت»، إذ إن لديه ثأراً قديماً ومتجدداً مع التيار الوطني الحرّ.
رغم ذلك، لا يمكن عزل المسألة من جانبها السياسي - التقني. لذا، وفق التجارب التي مرّت في السنوات الماضية يفترض السؤال: كم مرّة وقع لبنان في العتمة الشاملة منذ عام 2020 حتى عام 2024؟ تجيب مصادر «الأخبار» في مؤسسة كهرباء لبنان: «لبنان وصل 3 مرات إلى العتمة الشاملة لأسباب تعلقت بمخزون الوقود أعوام 2021 و2022 و2023، ومرّتين بسبب توقف المشغّل المسؤول عن معملَي الزهراني ودير عمار عن العمل لعدم دفع الحكومة نفقاته التشغيلية بالدولار في عامَي 2022 و2023». وتضيف المصادر: «انفصلت الكهرباء عن الشبكة، بعد عام 2020، عشرات المرات بسبب تدنّي القدرة التشغيلية للمعامل لحدود 300 ميغاواط، ما كان يضع الشبكة تحت ضغط عالٍ يؤدي إلى انفصال الكهرباء عدّة مرات في اليوم الواحد». وبسبب الاعتماد على الفيول العراقي حصراً «تأثّرت التغذية بشكل سلبي، وانخفضت من معدّل 1500 ميغاواط عام 2019، حتى 450 ميغاواط الآن، علماً بأنّ هناك مجموعات توليد لا تعمل بسبب عدم وجود وقود لتشغيلها مثل المحركات العكسية في معملَي الجية والذوق»، تقول المصادر.
إذاً، هل يساءَل حايك أو سابا وحدهما؟ من يسائل ميقاتي الذي كان مسؤولاً عن اتخاذ القرار والحفاظ على استقرار التغذية بالتيار الكهربائي؟
يقول فياض إن الوصول إلى العتمة الشاملة أكثر من مرّة مردّه إلى «التراكمات»، مشيراً إلى أن حايك «حصل على موافقة الوزير على الإجازة، وكلّف عضو مجلس الإدارة إبراهيم موسى بالصلاحيات من دون الصلاحيات المالية». والصلاحيات المالية التي يبحث عنها ميقاتي هي التي استجدّت بسبب ما يمكن تسميته «خطّة الطوارئ»، أي الخطة البدعة التي بموجبها تقترض مؤسسة كهرباء لبنان من الجيش أو من المنشآت وقوداً لتشغيل المعامل على سبيل الإعارة، لكنها تحتاج إلى تسجيله دفترياً في قيودها، وهو أمر يحتاج إلى صلاحيات مالية «مفاجئة».
العراق مستمرّ في تزويد لبنان بالفيول
تراكم على الدولة اللبنانية مليار و573 مليون دولار ثمناً للنفط العراقي الخاص بتشغيل معامل توليد الكهرباء، إذ لم تسدّد الحكومة سوى 118 مليون دولار من المبلغ الإجمالي البالغ ملياراً و691 مليون دولار. وعلى الرغم من تأخّر الدولة اللبنانية في تسديد ما عليها من مستحقات لصالح الدولة العراقية، تستمر الأخيرة في تزويد لبنان بحاجاته من الوقود لزوم معامل الكهرباء الحرارية، بل وتوافق على زيادة الكميات في العقود السنوية.
أمس، نفى الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية باسم العوادي توقف العراق عن تزويد لبنان بالوقود. وأشار في تصريح لوكالة الأنباء العراقية إلى «التزام العراق بالعقد الموقّع مع لبنان»، وأعاد التأخير في وصول الشحنات لـ«أسباب فنية ولوجستية متعلقة بالنقل والشحن».
هبة الجزائر تحتاج إلى مرسوم
أتت المبادرة الجزائرية بإرسال شحنة فيول إلى لبنان، على سبيل الهبة، لتعيد خلط الأوراق. فالعلاقة اللبنانية مع شركة النفط الجزائرية «سوناطراك» تشوبها دعاوى قضائية، إثر اتهام لبنان للشركة بـ«إرسال فيول مغشوش»، وفسخ العقد بين الطرفين. رغم كل ما قيل عن العقد ومشاكل تنفيذه، فإن «العقد من دولة لدولة أفضل بكثير من عمليات التبادل التي تحصل الآن بالفيول العراقي، وما يستتبعها من دخول سماسرة على الخط» تقول مصادر مطلعة. ويقول وزير الطاقة، وليد فياض، إن الهبة الجزائرية ليس لها أي ارتباط سياسي، مؤكّداً «أنّ الدولة الجزائرية لم تطلب أيّ مقابل»، بل إن «تحرك رئيس حكومة الجزائر أتى بناءً على ضرورات وطنية وقومية»، مشيراً إلى أن «الموافقة على الهبة الجزائرية ستصدر بموجب مرسوم حكومي». ورأى في هذه المبادرة «مجالاً للتعاون الثنائي بين البلدين»، مشيراً إلى «حاجة لبنان إلى الغاز الجزائري الذي يصدّر الآن إلى أوروبا».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك