في يومٍ ذهبيّ من أيّام لبنان الغابرة، كان القطاعُ العامّ أحدَ الأعمدةِ الأساسيّة التي قامت على أساسها الدولةُ اللبنانية، غير أنه باتَ يشكّلُ اليوم عائقًا أساسيّا أما النموّ لا بل أكثر من ذلك، بات يشكّل أداةً لتكريسِ الهدرِ والفسادِ، والذي تبلغ فاتورته مليارات الدولارات سنويا.
تتعدّد وتتشعّب مشكلاتُ القطاع العام في لبنان، الذي يواجهُ تحدّياتٍ ماليّة ضخمة، فالحكومة تعاني من عجزٍ كبير في الميزانية نتيجةً للانفاقِ الزائدِ على الرواتب والامتيازات وارتفاع تكلفة الديون التي تخطّت الـ100 مليار دولار وهو ما يعادل أكثر من 170 في المئة من الناتجِ المحليّ الإجمالي، الامر الذي يجعلُ من لبنان من أعلى الدول مديونيّة في العالم.
كلّ ذلك، مقابلَ نقصٍ حادّ في الإيرادات بسبب الازمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد منذ سنوات، إذ يمثلُ الإنفاق على الرواتب ما يقارب الـ50 في المئة من إجمالي الإنفاق الحكومي، وهو يشملُ رواتبَ الموظفين في المؤسسات الحكومية والأجهزة الامنيّة والعسكرية. وفي العام 2021، قدّرت التقاريرُ الحكومية أن رواتبَ موظفي القطاعِ العام في لبنان تجاوزت الـ1،7 مليار دولار.
إلى جانب الإنفاق، يتربّعُ الفساد على عرشِ الهدر في القطاع العام، إذ حلّ لبنان في المرتبة 154 من أصل 180 في مؤشرِ الفسادِ العالميّ، وبحسب التقارير التي تقيسُ الشفافية، فقد تبيّن أن الفسادَ قد يكلّف الاقتصادَ اللبنانيّ حوالى 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي سنويا. أضف إلى ما تقدّم البيروقراطية التي تساهمُ في تأخيرِ المعاملات وعرقلةِ سريانِ عجلةِ العمل.
كلّ ما تقدّم أغرقَ القطاعَ العام في واحدٍ من أحلكِ أزمنته، ليُضاف إليها التوظيفات السياسية التي أرهقت هيكليّته وأثّرت بشكلٍ كبير على فعاليةِ نظامهِ وقوّضت مبدأ الكفايةِ فيه. وبحسب التقارير الرسمية والدراسات التي أجريت، يُقدّر أن نسبةَ التوظيفات السياسية تشكّل ما بين 30 و40 في المئة من إجمالي الوظائف الحكومية في بعض الوزارات والمرافق العامة. أما في ما يتعلق بالوظائف العليا في الوزارات والهيئات المستقلة، فقد تكون نسبة التوظيفات السياسية أعلى بكثير، لما تشكّله هذه المناصب من تأثيرٍ كبيرٍ على صناعة القرار.
لذلك، يرفعُ كلّ الحريصين على لبنان، شعارَ الإصلاحات، والتي تنطلق جميعها من القطاع العام، الذي إن تعافى ووُضع على سكّته الصحيحة، تعافى معهُ لبنان... يبقى أن يحرصَ أهلُ البيت على بيتهم، علّ البلاد تأخذ نفسًا عميقا، فنعود إلى الوراء... لأن لبنان هو البلد الوحيد الذي يتغنّى بماضيه الذي عرف ازدهارا وعصرا ذهبيا، ويحلمُ دومًا بالعودة إليه.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك