مرّة جديدة تعود تصريحات الوزراء لتثير الجدل الممزوج بالانقسامات إزاء التزام الحكومة ببيانها الوزاري، وبالمهمة التي أتت من أجلها: تطبيق القرار الدولي 1701.
يوم الإثنين الماضي، قال نائب رئيس الحكومة الدكتور طارق متري، في خلال مقابلته على قناة "الحرة"، إنه "من المستحيل أن يكون لدينا جدول زمني محدد أو ادّعاء بإمكانية نزع سلاح "حزب الله" بالقوة".
كان من المستغرب صدور مثل هذا النوع من الكلام عن متري بالذات، فهو واحد من الثلاثة المكلفين الحديث في السياسة واتخاذ المواقف باسم الحكومة، وتالياً باسم الدولة، بالإضافة إلى الرئيس نواف سلام، ووزير الثقافة غسان سلامة. فهو يدرك أكثر من الجميع أن مهمة الحكومة الأساسية تطبيق الـ 1701 لتجنيب لبنان المزيد من التدمير، خصوصاً أنه كان واحداً من الذين أسهموا في حياكته، إبان توليه حقيبة الخارجية عام 2006، بالتنسيق مع سلام نفسه (الذي جرى تعيينه في العام التالي مندوب لبنان في الأمم المتحدة)، ويعرف متري أكثر من غيره ثمن تراخي الحكومات المتعاقبة في تطبيق واجباتها.
وبالتالي لا يمكن لشخصية متمرسة وصاحبة تجربة سياسية ودبلوماسية واسعة أن تطلق الكلام على عوانه، رغم أن انزعاج عدد من الشركاء الحكوميين دفعه لإصدار توضيح أكد فيه التزام حكومة الإنقاذ "تطبيق القرارات الدولية دون انتقاء أو اجتزاء"، وأنه من "البديهي أن يعمل مجلس الوزراء على وضع جدول زمني وخطوات ملموسة لتحقيق هذا الهدف". ومع ذلك، لا يزال هذا البند مستبعداً عن جدول أعمال الحكومة، مصحوباً بهالة من الغموض حول الآلية التي ستعتمد، خصوصاً من ناحية المهلة الزمنية في ظل ضغوط دولية وعربية ومحلية.
ثم أتت تصريحات وزيرة البيئة، تمارا الزين، لقناة "الحرة" أيضاً، لتفاقم الجدل وتزيد من مساحة الغموض، حيث اعتبرت أن "الأولوية حالياً هي للانسحاب الإسرائيلي، ومن بعدها إعادة الإعمار، ولاحقاً نرتب أمورنا الداخلية".
تشير المعلومات إلى أن الحكومة لم تتخلّ عن أي من التزاماتها الواردة في البيان الوزاري، لكنها تتعرض لضغوط أميركية هائلة لوضع بند السلاح على الطاولة، في موازاة حملة ضغوط مضادة يقودها "حزب الله"، الذي يكثر من التلويح عبر وسائل إعلام مقربة منه بالحرب الأهلية، إذا ما حاولت الدولة نزع سلاحه، والكل يعلم أنه يفعلها ولا يبالي، ولا سيما أنه لم يعد لديه ما يخسره.
ناهيكم عن المواقف والتصريحات شبه اليومية لنوابه وقياداته الدينية، مثل نائب رئيس مجلسه التنفيذي، الشيخ علي دعموش، الذي قال في خطبة الجمعة "عندما يكون هناك احتلال فإن السلاح هو زينة الرجال وهذا حق لا يمكن أن نتخلى عنه". لاقاه النائب حسن فضل الله، الذي صار بمثابة الناطق السياسي لحزبه بقوله "عندما تتخلى الدولة عن مسؤولياتها سيتحمل الشعب المسؤولية"، فضلاً عن النائب علي فياض الذي قال إن "المرحلة قد تفرض أدوات مواجهة مختلفة، لكن خياراتنا هي ذاتها".
تبيّن المعلومات أن ثمة توجهاً حكومياً غالباً لدى الرئيس نواف سلام والوزراء المقربين منه، ينسحب على الوزراء المقربين من رئيس الجمهورية، حول ضرورة استخدام سياسة اللين والاحتواء قدر الإمكان، للحؤول دون تفجر الأوضاع في الداخل. هذا التوجه يتوكأ على المناخ العام السائد عند النخب السنية والدرزية، وإلى حد ما المسيحية، بأن "حزب الله" يرغب في افتعال معركة داخلية تبدّد أي فجوة بينه وبين الشيعة، وتجعل الاقتراب من سلاحه يكتسي بطابع الاعتداء على طائفة برمّتها.
يميل أصحاب هذا التوجه الحكومي، إلى ترك واشنطن تقوم بالمهمة ما دام أنه "لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده"، في ظل المعلومات التي تتحدث عن إبلاغ إدارة الرئيس دونالد ترامب الجانب اللبناني بوجود مهلة زمنية قصيرة لسحب سلاح "الحزب"، بعدها ستمنح واشنطن الضوء الأخضر لإسرائيل لاجتثاث هذا السلاح مهما كان الثمن.
وتبيّن المعلومات بأن إدارة ترامب وضعت مهلة حتى حزيران القادم للتخلص من كل الأذرع الإيرانية في المنطقة بما فيها "الحزب" و"الحوثيون" و"الحشد الشعبي"، تمهيداً لضرب نظام الملالي نفسه. وهو ما يمكن تبينه من خلال الجحيم المصبوب على "الحوثيين" في اليمن، وعلى غزة من جديد بدعم مباشر من "البيت الأبيض".
في المقابل، ثمة قناعة لدى الوزراء المحسوبين على القوات اللبنانية ومعهم وزير العدل المحسوب على الكتائب، حول ضرورة أن تأخذ الحكومة المبادرة لحماية لبنان من العصف التدميري المقبل، واعتماد النموذج الذي اتبعته الحكومة العراقية، والتي دخلت في حوار مكثف مع فصائل "الحشد الشعبي" لتسليم سلاحها إلى الدولة لتجنّب ضربة أميركية قاسية تطيح بالنفوذ الشيعي برمّته، أفضى إلى بدء تسليم 3 فصائل سلاحها، مع ضغوط شديدة على الفصائل الباقية كي تحذو حذوها.
بيد أن الإشكالية تبقى في افتقار الحكومة إلى الأدوات اللازمة لاتباع النموذج العراقي، فلا "حزب الله" على استعداد لتسليم سلاحه، ولا إيران ترغب في التخلي عن هذه الورقة طالما أن "السكين على رقبتها"، وما من أحد يريد زجّ الجيش في مواجهة داخلية. وبالتالي فإنها تتصرف في حدود المتاح إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك