تُشكّل الانتخابات البلدية محطة أساسية في مسار الديمقراطية المحلية في لبنان، غير أن المشاركة السياسية للأشخاص ذوي الإعاقة لا تزال تعترضها عقبات متعدّدة تتراوح بين القصور التشريعي، وغياب الترتيبات اللوجستية، وضعف الوعي المجتمعي بحقوقهم السياسية. ومن أجل بناء عملية انتخابية أكثر شمولاً وإنصافاً، يصبح من الضروري وضع خطة متكاملة تضمن مشاركة هذه الفئة بفعالية سواء كناخبين أو مرشحين، انسجاماً مع المبادئ الدولية لحقوق الإنسان.
يقتضي تحقيق هذه الغاية، إجراء إصلاحات قانونية تضمن تكافؤ الفرص، حيث يجب تعديل قانون الانتخابات ليشمل تدابير ملزمة، تتيح للأشخاص ذوي الإعاقة ممارسة حقهم في الاقتراع بسهولة واستقلالية، كاعتماد التصويت الإلكتروني أو عبر البريد، لمن يواجهون صعوبة في الوصول إلى مراكز الاقتراع.
ومن الضروري أيضاً فرض التزامات واضحة على البلديات والمراكز الانتخابية، لضمان توفير البنى التحتية الدامجة، من خلال تجهيز المراكز بممرات خاصة، ومصاعد، ومرافق مهيأة تتماشى مع معايير سهولة الوصول. إضافةً إلى ذلك، يتطلب تعزيز التمثيل السياسي لهذه الفئة العمل على تحفيز الأحزاب واللوائح الانتخابية على ترشيحهم، أو تخصيص مقاعد محددة لهم داخل المجالس البلدية، بما يرسّخ مبدأ الدمج السياسي.
على المستوى اللوجستي، يشكّل تأمين بيئة انتخابية خالية من العوائق خطوة أساسية لضمان مشاركة سلسة وفعّالة. ويشمل ذلك تهيئة مراكز الاقتراع لتكون مناسبة لمستخدمي الكراسي المتحركة، وتوفير بطاقات اقتراع بطريقة "برايل" للناخبين المكفوفين، واعتماد تجهيزات صوتية وتقنيات مساعدة تسهّل عملية التصويت للأشخاص ذوي الإعاقات البصرية والسمعية.
كما يُعدّ تدريب الموظفين المشرفين على الانتخابات أمراً ضرورياً لضمان تعامل محترف يحفظ كرامة الناخبين ذوي الإعاقة ويؤمن استقلاليتهم في الاقتراع.
ولتخفيف العوائق الجغرافية التي قد تحول دون وصولهم إلى مراكز الاقتراع، يمكن للبلديات بالتعاون مع المجتمع المدني توفير وسائل نقل مجانية ومجهزة، مما يساهم في تمكين الناخبين من ممارسة حقهم من دون مشقة أو تمييز. وفي هذا السياق، يبرز خيار "الميغاسنتر" كحل استراتيجي يمكن أن يسهم في تيسير العملية الانتخابية، عبر إنشاء مراكز اقتراع كبرى مجهزة بالكامل لاستقبال الناخبين من مختلف المناطق، مما يقلّص التحديات اللوجستية ويوفّر بيئة انتخابية أكثر تكاملًا.
تعزيز الوعي بأهمية مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة في العملية الانتخابية يعدّ ركيزة أساسية لإنجاح أي إصلاح. من هنا، تبرز الحاجة إلى إطلاق حملات توعوية شاملة عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، تتناول حقوقهم الانتخابية بأساليب مبسطة وتفاعلية، تشمل لغة الإشارة والوسائل البصرية والصوتية.
كذلك، يلعب المجتمع المدني دوراً محورياً في مراقبة سير العملية الانتخابية وضمان تطبيق السياسات الدامجة، من خلال تقديم تقارير دورية ورفع التوصيات اللازمة إلى الجهات المعنية. ومن الضروري أيضاً إشراك الأسر والمؤسسات التربوية والدينية في تعزيز ثقافة الدمج السياسي، بما يساهم في تغيير الصورة النمطية حول مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة في الشأن العام.
إن ضمان مشاركة عادلة للأشخاص ذوي الإعاقة في الانتخابات البلدية ليس مجرد استحقاق قانوني، بل هو خطوة جوهرية نحو ديمقراطية حقيقية تعكس التنوع المجتمعي وتكرّس مبدأ المساواة. من خلال تبنّي هذه المقاربة الشاملة، يمكن للبنان أن يخطو بثبات نحو انتخابات أكثر شمولًا، تكون فيها صناديق الاقتراع متاحة للجميع، من دون استثناء أو إقصاء.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك