تتجه إسرائيل إلى فرض أمر واقع في النقاط الخمس بجنوب لبنان، التي ترفض الانسحاب منها بعد انتهاء المهلة الممددة في إطار اتفاق وقف إطلاق النار يوم الثلاثاء المقبل، وهو أمر يساعد حزب االله على رفض النقاش في أي حل يتعلق بمعالجة مسألة سلاحه الخلافية بين اللبنانيين، ويدفعه الى استعادة ما يعتبره «شرعية المقاومة لتحرير الأرض».
ونقلت وكالة بلومبرغ، عن وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، أن إسرائيل ستحتفظ بخمس نقاط استراتيجية مرتفعة داخل لبنان، بعد انتهاء مهلة وقف إطلاق النار، «حتى ينفذ لبنان التزاماته بموجب المعاهدة». ورفض ديرمر الإفصاح عن المدة التي ستظل فيها هذه المواقع قائمة، لكنه أشار إلى أن القوات الإسرائيلية لن تُسحب في الأمد القريب، وأوضح أن التزامات لبنان في اتفاق وقف إطلاق النار لا تشمل فقط إبعاد «حزب الله» عن الحدود الشمالية لإسرائيل، بل تشمل أيضا «نزع سلاح الميليشيا المدعومة من إيران ومنعها من إعادة بناء قوتها». وتقدم إسرائيل الكثير من الذرائع للجنة مراقبة تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، لتبرير بقائها واحتفاظها بهذه النقاط التي بدأت بتشييد إنشاءات عسكرية فيها، ومن بينها أن حزب الله لا يلتزم ببنود الاتفاق، ولا يزال يعمل على إدخال أسلحة أو أموال، كما يرفض تسليم الكثير من المواقع، ولا يسمح للجيش اللبناني بالدخول إلى مواقع أساسية واستراتيجية.
كل هذه الضغوط الإسرائيلية ستتيح لحزب الله السعي إلى إعادة قلب الطاولة، ولو بالمعنيين السياسي والاجتماعي، من خلال العمل على تحرير الأرض، ورفض النقاش في أي حل يتعلق بمعالجة وضع السلاح، والإصرار على استعادة ما يعتبره «شرعية المقاومة لتحرير الأرض»، طالما أن هناك مناطق محتلة، وطالما أن عملية تثبيت ترسيم الحدود البرية لم تنته، وفي ظل بقاء حسم مسألة مزارع شبعا معلّقة. إلى جانب كل هذه العوامل العسكرية والجغرافية التي يسعى الإسرائيليون إلى تكريسها خارج حدود فلسطين، ثمة جانب آخر من الحرب النفسية والمعنوية لا يزال مستمراً، من استئناف عمليات خرق جدار الصوت في سماء العاصمة بيروت، إلى الاتهامات التي وجهها الجيش الإسرائيلي لحزب الله باستخدام المطار لنقل الأموال، وتلميحات إلى استئناف اغتيالات قادة الحزب، وكل ذلك يشكل مساراً جديداً يفتتحه الإسرائيليون قبل أيام من موعد تشييع حزب الله لأمينه العام السيد حسن نصرالله، والذي يريد الحزب له أن يكون حاشداً جداً، في مسعى لتجديد «معموديته» السياسية والشعبية، خصوصاً أن هناك وفودا كثيرة ستأتي من خارج لبنان، بينما الهدف الإسرائيلي يتركز على إفشال هذه المحاولات. وكان وفد من حزب الله قد سلم رئيس الجمهورية جوزاف عون أمس دعوة لحضور التشييع، غير أن معلومات متداولة في بيروت استبعدت مشاركته شخصياً، مرجحة أن يرسل ممثلاً خاصاً عنه.
تثبيت إسرائيل لنقاط مواقع في لبنان، وتشييد إنشاءات عسكرية في سورية، يشير بوضوح إلى النيات الإسرائيلية في تكريس أمر واقع عسكري وجغرافي، يحاكي ما فرضته إسرائيل على الدول العربية بعد حرب عام 1967 وحرب عام 1973، والتي تعود إليها مشكلة مزارع شبعا والصراع حول هويتها. عدم القدرة على حماية غزة في مواجهة الحرب الإسرائيلية هو الذي وسع المطامع الإسرائيلية، باتجاه لبنان وسورية، وبتهديد الأمن القومي الأردني والمصري، ومواجهة كل الطروحات العربية. ولا يبدو على الرغم من كل المعارضات العربية أو الإقليمية أو الدولية أن هناك نية إسرائيلية أو أميركية في التراجع عن المشاريع والمقترحات العدائية والاستفزازية إلا في حال حصول استثناء على مستوى المواقف العربية بالتكامل مع قوى إقليمية ودولية أخرى.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك