قصة الحدود بين لبنان وسوريا كقصة "إبريق الزيت". أكثر من مئة عام مرّت، والحدود سائبة أمام العشائر وتجار المخدرات و"حزب الله" الذين استباحوها كلّ لمصلحته. الملف عاد إلى الواجهة بعد قرار الأمن العام السوري وإدارة العمليات العسكرية شنّ "حملة تمشيط" وسيطرتها على مناطق ريف القصير الحدودية مع شمال شرقي لبنان، لاستهداف عصابات التهريب وضبط الحدود وملاحقة المهربين وتجار المخدرات اللبنانيين.
المواجهات استمرّت، طُرد اللبنانيون من قراهم السورية واضطرّ الجيش اللبناني إلى الردّ على مصادر النيران. فبات الملف يحتاج قرارًا سياسيًّا لبنانيًّا سريعًا للمعالجة، فهل تتجرأ الحكومة الجديدة وتتخذه مع سقوط الموانع والممانعين؟
منذ أن ترسّمت الحدود في العام 1920، انشغلت سوريا بالإنقلابات في الحكم قبل أن يحكمها نظام البعث الذي كان يريد بلع لبنان، فلم تهمّه يومًا مسألة الحدود. في وقت انصرفت الحكومات اللبنانية المتعاقبة لمعالجة الأزمات الداخلية وغضّت النظر عن أهمية ضبط الحدود وإصدار قرار سياسي واضح وإعطاء الأمرة للجيش اللبناني على الحدود الشمالية والشرقية. إلّا أن سيطرة "حزب الله" على الأرض وإعطائه غطاءً للعشائر بحرية التصرف والتحرك في البلدات الحدودية وسيطرته في آن واحد على القرار السياسي اللبناني لمآربه واستمرار تمويله بالأسلحة والأموال... شرّع الحدود وزاد من التهريب، والخاسر الأكبر كان الاقتصاد اللبناني.
في 2008/8/14، صدر بيان مشترك لبناني سوري عقب المباحثات التي أجراها يومها الرئيس السابق ميشال سليمان مع الرئيس السوري السابق بشار الأسد عن اتفاق الرئيسين على جملة من القضايا العالقة، ومنها ترسيم الحدود عبر تفعيل اللجنة السورية اللبنانية المختصة التي شكلت لهذا الغرض في الأربعينيات من القرن الماضي، إضافة إلى ضبط الحدود ومنع التهريب من الجهتين. البيان الوحيد الذي تناول هذا الملف الشائك بين البلدين بقي حبرًا على ورق.
يؤكّد الجنرال خليل الحلو أنّ مسألة الحدود بين لبنان وسوريا بحاجة إلى حلّ سريع من قبل الحكومة اللبنانية الجديدة، قائلًا في حديث لموقع mtv: "الحدود مع سوريا ليست مرسّمة ولا حتى مصحّحة ويجب تشكيل لجنة لمتابعة موضوع الترسيم كونه سيأخذ سنوات لإنهائه، فالمسألة بحاجة إلى حلّ دبلوماسي سياسي وطني طويل الأمد". ويُضيف: "على الحكومة أيضًا إجراء اتصالاتها مع الجانب السوري والعمل على إعادة اللبنانيين إلى قراهم السورية على أن يلتزموا بالقوانين السورية وأن تُؤمن لهم ضمانات، فهؤلاء يملكون الأراضي التي شيّدوا عليها منازلهم ولديهم كل الإثباتات، كما لا يُمكن طردهم بهذه الطريقة".
تجاوزت الإشتباكات القرى السوريّة الحدودية وطالت بعض القاذفات بلدات لبنانية وأبراجاً للجيش اللبناني. فردّ الجيش اللبناني بدقة على مصادر النيران بقرار من قائد القوات المسلّحة رئيس الجمهورية جوزاف عون عقب اتصال جمعه برئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع. ويرى الحلو في قرار عون للجيش "اتفاقًا مع الجانب السوري لضبط الأمور".
ويجزم الحلو ألّا "اشتباكات داخل الأراضي اللبنانية، والجيش ليس طرفًا في ما يحصل إنمّا يقوم بواجبه لضبط الحدود ويتخذ إجراءات لمنع تفلّت الأمور".
تُلقى على الجيش اللبناني مهمة كبيرة في جنوب لبنان لناحية الإنتشار وتسلّم زمام الأمن فيه، وهنا نسأل الجنرال حلو عن قدرة الجيش على الانتشار وضبط الحدود الشمالية والشرقية كاملة، فيجيب: "لا يمكن لدولة عديد القوى المسلحة فيها يفوق الـ100 ألف أن تقول لا يمكن أن أضبط الحدود والأراضي اللبنانيّة، المطلوب قرار سياسي ولا يمكن اليوم التحجج بغياب هذا القرار إذ أنّ عديد الجيش وعتاده والدعم الذي يحصل عليه من الخارج يسمح له بأن ينتشر في الجنوب وعلى كامل الحدود اللبنانية".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك