لا شك في أن حكومة نتنياهو اليمينية التي تضم عدداً لا بأس به من "الصقور المتطرفين"، تقتات من الحروب وتسعى جاهدة إلى تأمين ديمومتها. فلم يكد يومان يمضيان على إبرام صفقة وقف إطلاق النار في غزة، حتى حرّكت إسرائيل آلتها العسكرية نحو الضفة الغربية، وتحديداً نحو مدينة جنين ومخيّمها الذي يؤرق السلطات العبرية باعتباره تاريخياً معقل المقاتلين الذين يدينون بـ "الولاء والعتاد" لإيران "رأس الأخطبوط"، بحسب النعت الإسرائيلي.
والهجوم على مخيّم جنين، الذي يُعَدّ بلدة مزدحمة بأحفاد الفلسطينيين الذين فروا أو طردوا من منازلهم في حرب عام 1948، تسبب حتى الآن بمقتل عدد من الفلسطينيين وبفرار العديد من قاطنيه نحو أماكن آمنة، وأتى إرضاءً للمتطرفين الذين عارضوا اتفاق غزة، خصوصاً في أعقاب استقالة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير من الحكومة المتأرجحة على وقع تهديدات وزير المال بتسلئيل سموتريتش بحذو حذو بن غفير.
كذلك، يرمي الهجوم على جنين إلى تبديد الإنطباع بأن "الجبروت الإسرائيلي" مُنِي بفشل في غزة، بعد إخفاقه في القضاء كلياً على "حماس"، خصوصاً بعد "العراضات المسلّحة" التي تعمّدت الحركة تنفيذها إبّان إطلاق الرهائن الإسرائيليين من قلب القطاع المزنّر بالركام.
تكتيكات القطاع في الضفة
الهجوم على مدينة جنين الذي يعود تاريخها إلى عصور قديمة، وهي إحدى أقدم المدن المأهولة بالسكان في العالم، ليس الأوّل من نوعه منذ 7 أكتوبر، وهو يَشي بأن الجيش الإسرائيلي لم يفلح حتى الآن في القضاء على قدرات المقاتلين في المخيّم. وما يزيد من سخونة الجبهة، أن الجيش يعتمد تكتيكات القطاع في الضفة، ما يعني أن "الميني حرب" في عموم الضفة، خصوصاً في جنين، ستكون مدمرة، مع انتقال "لواء ناحال" من غزة إلى هناك لمواجهة "كتيبة جنين"، التي تشكّل "مخاطر متراكمة" بالنسبة إلى الدولة العبرية، وحيث باتت مدينة جنين تصدّر المقاتلين لتنفيذ عمليات في إسرائيل والضفة.
وإذا كانت السلطات الإسرائيلية قد رفعت عدد الحواجز التي تقطّع أوصال الضفة من 770 إلى حوالى 900 لتضييق الخناق على حركة الفلسطينيين هناك، فإن مبتغى الدولة العبرية البعيد المدى وربّما القريب، هو ضمّ الضفة إلى أراضيها، وربّما تهجير فلسطينييها إلى بلد مجاور.
"الأرض الغالية وقلب إسرائيل"
الإعلام العبري رحّب بمعظمه بالهجوم على جنين، فالكاتب في الشؤون العسكرية في "معاريف " آفي أشكينازي اعتبر أن الساحة الثانية التي تثير قلق تل أبيب بعد غزة هي الضفة الغربية لأنها مدعومة من إيران و"حماس" من الخارج، وتشهد بناء بنى تحتية عسكرية مع كتائب "حماس"، تماماً مثلما حصل في القطاع. وأضاف أشكينازي أن الحركة ستحاول الآن الخروج من هناك بهجمات تتحدّى بواسطتها الجيش الإسرائيلي.
الكاتب في صحيفة "مكور ريشون" المملوكة لمجموعة "إسرائيل هيوم" عيدي مينتز، رأى أن الشعب اليهودي وضع بين أيدي الإسرائيليين في الضفة الغربية "الأرض الغالية وقلب إسرائيل". وأضاف أنه يتعيّن تعزيز سيطرة دولة إسرائيل على الأرض بصورة تزيل من جدول الأعمال القومي والدولي احتمال التخلّي عن الضفة، خاتماً أنه لا يمكن تحقيق هذا التحدّي إلّا عن طريق خلق غالبية يهودية هناك.
في المقابل، كتبت صحيفة "هآرتس" في إحدى افتتاحياتها أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب ساهم في أعمال الشغب العنيفة التي قام بها مستوطنون في الضفة، بعدما ألغى العقوبات التي فرضتها إدارة سلفه على مستوطنين ضالعين في عمليات عنف ضد الفلسطينيين هناك. وأملت الصحيفة في أن يعود ترامب بسرعة إلى رشده، ويدرك أنه إذا كان يريد الدفع قدماً بالسلام في العالم وفي الشرق الأوسط، فإن المشروع الاستيطاني هو عقبة جدّية على طريق تحقيق هذا الهدف.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك