كتب ريمون مارون من مركز الشرق الأوسط للأبحاث والدراسات الاستراتيجية MEIRSS:
فشلت محاولة حزب الله في فرض تفسير جديد للميثاق الوطني اللبناني يخدم مصالحه السياسية الضيقة، إذ اصطدم بجوهر الميثاق الذي يشكل العمود الفقري للدولة اللبنانية. انتصرت روح الميثاق الوطني، تلك الروح التي تُعلي من شأن الوحدة الوطنية وتحمي الكيان اللبناني، على منطق الدويلة الذي يسعى لتمزيق هذه الوحدة. في هذا السياق، لا بد من العودة إلى جذور الميثاق الوطني وفهم أبعاده التاريخية والفلسفية، وصولاً إلى إظهار التناقض الجوهري بين "الميثاقية" و"المثالثة".
وُلد الميثاق الوطني اللبناني عام 1943 كتسوية تاريخية بين المسيحيين والمسلمين، وهو اتفاق غير مكتوب قام على مبدأي "لا للشرق ولا للغرب" بمعنى رفض الوصاية الأجنبية والالتزام بالاستقلال. يعكس الميثاق توافقًا ضمنيًا قائمًا على توازن الشراكة بين الطوائف، حيث توافق المسيحيون على التخلي عن فكرة الحماية الغربية، فيما وافق المسلمون على اعتبار لبنان وطنًا نهائيًا وليس جزءًا من مشروع أكبر.
الميثاقية، إذاً، ليست مجرد ترتيب إداري بل فلسفة سياسية تقوم على العيش المشترك، وحماية التنوع الطائفي ضمن إطار الوحدة الوطنية. إنها العقد الاجتماعي اللبناني الذي يضمن حقوق جميع الجماعات ويعزز التفاهم بين مكوناته.
الميثاقية ليست مبدأً خاضعًا للتفسير حسب المصالح الآنية أو الظروف السياسية المتغيرة. إنها قاعدة ثابتة ومرجعية وطنية تحمي كيان الدولة. من هذا المنطلق، فإن محاولات حزب الله لتغيير مفهوم الميثاقية من شراكة مسيحية-إسلامية إلى "مثالثة" تشمل المسيحيين والسنة والشيعة، ليست سوى خروج عن الجوهر الحقيقي للميثاق.
المثالثة، في جوهرها، تقويض لمبدأ الشراكة الوطنية. إنها محاولة لإعادة توزيع السلطة بشكل يعكس ميزان القوى الطائفية بدلاً من الروح الوطنية المشتركة. بهذا المعنى، فإن المثالثة تهدد بتحويل النظام السياسي من شراكة قائمة على التفاهم إلى نظام قائم على فرض الهيمنة.
جوهر الميثاقية هو حماية كل الجماعات، وليس استخدامها كأداة لعرقلة العملية الديمقراطية والسياسية. عندما تصبح الميثاقية وسيلة لتعطيل تشكيل الحكومات أو شلّ المؤسسات، فإنها تُفقد معناها الأساسي. الميثاقية، كما صيغت في 1943، جاءت لتكون جسرًا يوحّد بين الجماعات لا حاجزًا يفرقها.
محاولات بعض القوى السياسية، مثل حزب الله، لتوظيف الميثاقية كأداة لتحقيق أجنداتها الخاصة، لا تعبر عن الروح الحقيقية لهذا المبدأ. فالميثاقية لا تعني فرض إرادة فريق معين على الآخرين، بل هي وسيلة لتحقيق التوازن وحماية مصالح الجميع دون إقصاء أو تهميش.
إن جوهر الميثاق الوطني يتناقض بشكل صارخ مع فكرة الدويلة. الميثاق يدعو إلى وحدة الكيان اللبناني تحت سيادة دولة واحدة قوية، بينما تسعى الدويلة إلى تمزيق هذا الكيان من خلال فرض منطق القوة على منطق التفاهم.
الميثاقية الحقيقية لا تتماشى مع وجود سلاح خارج إطار الدولة، أو مع أي تنظيم يتجاوز سلطة المؤسسات الدستورية. بهذا المعنى، فإن حزب الله، من خلال محاولته فرض رؤيته الخاصة للميثاقية، يواجه تناقضًا وجوديًا مع روح الميثاق.
محاولة حزب الله لتغيير مفهوم الميثاق الوطني إلى مثالثة طائفية ليست سوى حلقة في سلسلة محاولات لإعادة تشكيل النظام اللبناني وفقًا لموازين قوى مؤقتة. لكن هذه المحاولة فشلت، لأن جوهر الميثاق الوطني لا يزال حيًا في ضمير اللبنانيين.
الميثاقية ليست مجرد مبدأ سياسي بل فلسفة وطنية ترتكز على حماية التعددية وتحقيق الشراكة. وهي، في جوهرها، انتصار لفكرة الدولة على الدويلة، ولمنطق الوحدة على التفرقة.
الميثاق الوطني اللبناني بين ثبات الهوية وسقوط المثالثة
الــــــســــــابــــــق
- التحكم المروري: حركة المرور كثيفة من خلدة باتجاه أنفاق المطار وباتجاه الاوزاعي الجناح
- إرتفاع أسعار الذهب
- تقرير المدعي العام الخاص: ترامب تورط في جهود إجرامية غير مسبوقة لإلغاء هزيمته في 2020 وكان سيدان لو لم ينتخب رئيساً في الـ2024
- سالم زهران لموقع mtv: السعودية أرسلت ليلاً رسالة واضحة للمعنيّين ألا تهميش لأحد ولا إقصاء لأحد ولم ينتصر أو ينهزم أحد… المهمّ لبنان للجميع وأن يعيش شعبه عيشة كريمة ونحن نراقب مع "الخماسيّة"
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك