في ذكرى ولادة الأديب والمفكر اللبناني جبران خليل جبران، التي تصادف اليوم 6 كانون الثاني 2025، تودّ لجنة جبران الوطنية أن توجه رسالة إلى الشعب اللبناني تدعوه فيها إلى التوقف والتأمل في كتب جبران ومفاهيمه العميقة التي كانت ولا تزال مصدر إلهام للبنانيين. هذه الرسالة تأتي في وقت حساس تمر فيه البلاد بتحديات وأزمات اقتصادية، اجتماعية وسياسية عميقة، حيث يعيش اللبنانيون حالة من التوتر والصراع الداخلي، ويعانون من الحروب المتواصلة والمشاكل المعيشية التي ترهق حياتهم اليومية.
جبران، الذي عاش في ظروف مشابهة في زمنه، كانت كتاباته تعكس آمال الشعب اللبناني في الاستقلال والكرامة، وترنو إلى بناء وطنٍ يتجاوز الانقسامات الطائفية والمذهبية، ويسعى إلى تحقيق السلام الداخلي والتوازن الاجتماعي. لذلك، في هذه الذكرى، من المهم أن نعود إلى ما كتبه جبران عن الحب، والحرية، والوحدة الوطنية، والعدالة، لنستعيد في كتاباته القوة التي يحتاجها لبنان اليوم.
من خلال العديد من أعماله، مثل “النبي” و”الأجنحة المتكسرة” و”البدائع والطرائف”، كان جبران دائمًا يدعو إلى التغيير من الداخل، والبحث عن السلام الداخلي قبل أن يتمكن المجتمع من تحقيق السلام الجماعي. في “النبي”، وهو أشهر أعماله، نجد شخصية “جبران” نفسه يتحدث عن مسائل إنسانية عميقة، مثل الحب، والحرية، والمعاناة، والعدل. وفي هذا الكتاب، يقدم جبران مقاربةً لكثير من أسئلة الحياة والمجتمع، ويحث على تحقيق التوازن بين الفرد والمجتمع.
أحد أبرز الأبعاد في فكر جبران هو دعوته إلى الوحدة بين اللبنانيين، تجاوز الانقسامات الطائفية والمذهبية التي كانت ولا تزال تؤثر في المجتمع اللبناني. في رسالة جبران نجد دعوة إلى تعزيز “العيش المشترك”، وهي فكرة لا تزال تمثل حاجة ملحة في لبنان اليوم، حيث أظهرت التجارب أن الانقسامات السياسية والطائفية لا تؤدي سوى إلى مزيد من الصراع والدمار.
كما كان جبران دائمًا يعبّر عن رفضه للاستبداد والظلم في كل الأشكال، سواء كان سياسيًا أو اجتماعيًا. وهذا الرفض كان ينبع من قناعته بأن الحرية والكرامة الإنسانيّة هما الأساس لأي مجتمع يريد أن يتقدم ويزدهر. في وقت يعاني فيه لبنان من انهيار اقتصادي وحروب مستمرة، تظل كلمات جبران بمثابة الضوء الذي يمكن أن يوجهنا إلى الطريق الصحيح.
في هذا اليوم الذي نحتفل فيه بذكرى ولادة جبران، تدعو لجنة جبران الوطنية الشعب اللبناني إلى فتح كتب جبران والتأمل في معانيها العميقة. فالعالم الذي قدمه جبران ليس عالمًا بعيدًا عن واقعنا اليوم، بل هو عالم مليء بالتحديات التي يمكن أن نواجهها بروحٍ أكثر نضجًا وحكمة، في ظل الأزمات التي يمر بها لبنان.
إذا كان جبران قد عاش في وقتٍ كان لبنان فيه تحت وطأة الاحتلال العثماني ثم الحكم الفرنسي، فاليوم، بينما لبنان يواجه تحدياته الخاصة من داخل حدود وطنه، قد تكون رسائله أكثر أهمية من أي وقت مضى. فربما نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى العودة إلى مفاهيمه حول الحرية، والعدالة، والمساواة، والوحدة، التي من شأنها أن تُلهمنا في زمنٍ يعاني فيه وطننا من الانقسامات والتشرذم.
إن مطالعة كتب جبران في هذه اللحظات الصعبة هي بمثابة دعوة للعودة إلى الذات، والبحث عن الطريق الذي يوحدنا، ويجمعنا حول هدف مشترك: بناء لبنان مزدهر، حر، ومتحد. جبران كان يؤمن بأن “الإنسان هو أولًا وأخيرًا مسؤول عن نفسه”، وهذه الفكرة تفتح لنا المجال للتأمل في مسؤولياتنا تجاه بلدنا وأبنائنا.
قد تكون أيامنا هذه مليئة بالصعوبات والتحديات، لكن ما يجعلنا نواصل هو الأمل. وجبران كان دائمًا ما ينقل رسالة الأمل، حتى في أحلك اللحظات. في “الأجنحة المتكسرة”، نجد الجراح والتجارب الإنسانية التي مرّ بها أبطاله، لكن في نهاية المطاف، كانت تلك الجراح طريقًا نحو النضوج والتحرر. تلك الرسائل التي كان يكتبها من قلبه كانت بمثابة شعاع أمل للبنانيين والعرب، ولن تكون أي أزمة أو حرب قادرة على إطفاء نورها إذا تمسكنا بها.
رسالة الأمل من لجنة جبران الوطنية
إن الذكرى الـ 142 لولادة جبران خليل جبران ليست مجرد مناسبة للاحتفال، بل هي فرصة لنعود إلى ما كان يؤمن به هذا المفكر العظيم، ونتأمل في رسائله التي ما زالت تحمل في طياتها حلولًا لتحديات اليوم. مع انقسام اللبنانيين واشتداد الأزمات، يبقى جبران خليل جبران رمزًا للأمل، والعقل، والقلب المفتوح. لذا، في هذا اليوم، نُشجع جميع اللبنانيين، من مختلف الأطياف، على قراءة جبران من جديد، والتأمل في كتاباته التي تمثل منارةً تضيء طريقنا في هذه اللحظات الصعبة.
إقرأوا جبران، تأملوا في كلماته، وعيشوا معانيه، فإن في ذلك بعضًا من الخلاص الذي يبحث عنه وطننا اليوم.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك