كتب الأب الياس كرم في موقع mtv:
طال الانتظار يا رب، والوطن يخوض غمار التيه، يبحث عن قائدٍ يرأب الصدع ويعيد للبنان هيبته. هل تتحقق المعجزة في التاسع من الجاري، ويخرج الدخان الأبيض من قاعة البرلمان إيذانًا بانتخاب رئيسٍ يحمل في قلبه نبض الوطن، وفي عقله رؤية الإنقاذ؟ أم أننا سنبقى أسرى المشهد المملّ على مسرحٍ سئم أبطاله وتكرار حبكاتهم العقيمة؟
الجواب ليس في وعود السياسة ولا في خطابات المرشحين، بل في ضمير النواب، أولئك الذين اؤتمنوا على إرادة الشعب والدستور. هل سيتجاوب هذا الضمير مع صرخة الوطن الجريحة؟ أم سيُختطف القرار مرة أخرى، وتُدفن آمال الأمة تحت ركام الحسابات الشخصية والخارجية؟
نرفع الدعاء أن يُسدل الستار على هذه المهزلة بنهايةٍ تليق بشعبٍ أنهكته الانقسامات والتبعيات والحروب، شعبٍ يحنّ إلى رئيس يعيد اللحمة، ويطوي صفحات الأحقاد. ولكن، أي رئيس نريد؟
الرئيس الذي يليق بهذا الوطن الجريح ليس مجرّد منصبٍ سياسي أو رمزٍ شكلي. هو قائدٌ يستمد سلطانه من فوق، من إرادةٍ إلهية تعطي للحكم معناه الحقيقي. يقول الكتاب المقدس: "ليس لأحد سلطان إلا إذا أُعطي له من فوق" (يوحنا 19:11). فالقيادة ليست امتيازًا شخصيًا، بل رسالة مقدسة، تتطلب رؤيةً مغموسة بمحبةٍ للوطن وأبنائه، بعيدًا عن أي تبعية داخلية أو خارجية.
على الرئيس العتيد أن يتحلى بالعدالة والسيرة المشرّفة. أن يحكم لا بشهواته، ولا بطباعه، بل بإرادةٍ نقية تنبع من الإيمان العميق بسيادة الله وعدالته. حاكمٌ منزّه عن الغرائز البشرية، يحمل في قلبه محبةً لله ولشعبه، وفي عقله شجاعةً تواجه أصعب القرارات بأمانةٍ وإخلاص.
وربما يستغرب البعض إقحام الله في هذه المعادلة السياسية، لكن الحقيقة واضحة: السلطة لله، وهي تفقد معناها إذا لم تُمارَس بالحق والعدل والمحبة. الحاكم البشري لن يُطاع إلا إذا تماهى مع روح الحق، واتّسم بالإخلاص الذي يرفع من شأن المواطن ويعيد للوطن كرامته.
أولويات الرئيس العتيد ليست خيارًا بل ضرورة. هذا البلد لا يمكنه النهوض إلا إذا استقام على ثلاث ركائز: الأمن، القضاء، والاقتصاد. الأمن لطمأنة النفوس، القضاء لتطبيق العدالة، والاقتصاد لتأمين العيش الكريم. هذا الثالوث هو البوصلة التي يجب أن تقود أي رئيس نحو بناء وطنٍ حقيقي.
ولكن، هل يستطيع الرئيس وحده تحقيق هذا الحلم في ظل تركيبةٍ طائفية أضعفت مركزية الحكم؟ للأسف تركيبة الحكم عندنا يسودها البُعد الطائفي، ولم يعد، بعد الطائف، من صلاحيات لرئيس الجمهورية تؤهّله للعب دور الحاكم والحَكم بالمطلق، من هنا لن يكون للرئيس العتيد أي إنجازات اذا لم تتوافق الإرادة اللبنانية على تمّكينه من ممارسة دوره الطبيعي، وعدم وضع العصي في درب حكمه، والعمل بجدّية على وضع عقد اجتماعي جديد لا يلغي خصوصية الطوائف، إنما تعود للمواطن كرامته وحقوقه انطلاقًا من كينونته مواطنًا لبنانيًا لا عضوًا في طائفة.
إذا أردنا غدًا مشرقًا، فلنبدأ من العدالة. "العدل أساس الملك"، والقضاء النزيه، غير المُرتهن، هو حجر الزاوية لأي إصلاح. ما من فساد يستشري ويطغى على وطن إلا بغياب القانون، الذي من خلاله يُحاسَب الفاسد، والقاتل، والسارق، والمرتشي، والمخالف، والخائن، والظالم، وكل مَن تساوره نفسه العبث بلقمة العباد ومصير البلاد.
بدون قضاءٍ مستقلّ، سيبقى الوطن رهينةً للفوضى.
المحاسبة هي طريق الاستقامة. تطبيق القانون بعيدًا عن التدخلات والوساطات هو الخطوة الأولى نحو الإصلاح. فالرئيس الذي يحمل مشعل العدل قادرٌ على البدء بخطوة الألف ميل نحو حياة سياسية واقتصادية وأمنية مستدامة.
فيا أيها النواب، ويا كل مسؤول، ويا كل مواطن، أدركوا أن القرار ليس مجرد اختيار اسمٍ لرئيسٍ جديد. إنه اختيار لمصير وطن. فلا تخذلوا الوطن.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك