كتب عمار نعمة في "اللواء":
يُقفل العام الحالي على نكبات لبنانية ومآسٍ وتغيرات دراماتيكية تشمل المنطقة برمتها رسمها الثلث الأخير من السنة.
لم يدر في خلد احد ان احداث السنة الماضية، أي 2023، ستشكل ارهاصات ما حصل في العام 2024، وما سيليه طبعا، بل كان غالب الظن ان الأمور لن تتطور دراماتيكيا وصولا إلى ما وصلت اليه، حتى لدى الذين تخوفوا من فتح جبهة الإسناد في الثامن من تشرين الأول العام الماضي.
ذلك ان ما حصل في اليوم الذي سبقه، اي السابع من تشرين الأول تاريخ بدء عملية "طوفان الأقصى"، ما كان ليوصلنا إلى هنا لولا فتح جبهة جنوبي لبنان، فلم يقرأ احد، حتى عن حسن نية كما لدى قيادة "حزب الله"، ولكن عن فائض ثقة، ماهية ما سيلي فتح الحرب ووهم إشغال اكثر حكومات العدو تطرفا في تاريخه لنحو سنة من دون انفلات الأمور من عقالها..
يمكن اعتبار ان نقطة التحول للهجوم الإسرائيلي العكسي وفرتها زيارة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو للولايات المتحدة الأميركية حيث تلقى جرعة دعم غير مسبوقة وشديدة الوقاحة عبّر عنها مشهد التأييد خلال خطابه في الكونغرس..
باشرت اسرائيل عمليتها ونقطة التحول في الحرب في 30 تموز مع اغتيال القيادي العسكري الكبير في الحزب فؤاد شكر، بعد تهديدات كثيرة لم يأخذها "حزب الله" وامينه العام السيد حسن نصر الله على محمل الجد.. تلتها في اليوم التالي عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية طهران نفسها..
اعتقد محور المقاومة بأن تأخير الرد على الضربتين ثم اقتصاره على الجانب العسكري الموضعي، ولو المهم استراتيجيا، سيقابل نجاح وحدة الساحات مع غزة اسرائيليا، وتمكن نتنياهو من خداع الجميع فقد استمر "حزب الله" على قناعته بأن نتنياهو لن يلجا إلى الحرب الكبيرة وبأنه مردوع عن اغتيال كبار القادة، علما ان الحائل دون ذلك باعتقادهم كان سياسيا وردعيا اكثر من كونه امنيا وناتجا عن الحماية الذاتية لنصر الله ولرفاقه الشهداء..
ثم بدأ التحول في الميدان عمليا مع عملية "البيجر" في 17 ايلول ثم بعدها بيوم عملية اللاسلكي ثم في 20 مع اغتيال قيادات الرضوان تلاها العدوان الكبير والواسع عسكريا بدءا من 23 أيلول، ثم العملية الكبرى في اغتيال نصر الله نفسه في 27 منه وبعدها رئيس الهيئة التنفيذية السيد هاشم صفي الدين في 4 تشرين الاول وغيرهما.. وقبل ذلك كان القرار الإسرائيلي الغبي ببدء العملية البرية في الأول من الشهر ذاته والتي اعادت بصمود المقاومين نوعا من التوازن إلى الحرب..
انتهت الحرب بما انتهت عليه باتفاق غامض وحمال اوجه لوقف النار، شكل صيغة مخرج للجميع لوقف الحرب، وهذا ما يفسر كون لبنان يدفع ثمن اتفاق صيغ على عجل سمته الأساسية خروقات اسرائيلية كبيرة وتوغلات، في الوقت الذي لا يريد فيه الحزب استئناف المقاومة عسكريا لسحب الذريعة من الإسرائيلي ولعدم تحميل لبنان المزيد من الأعباء، ويبدو ان لا قرار كبيرا بذلك في المرحلة الراهنة اقله حتى انتهاء مهلة الستين يوما للانسحاب الإسرائيلي المشكوك فيه..
والحال انه كان من نتيجة التورط في حرب كهذه وما افرزته من ضربة كبيرة لمحور المقاومة ان احدث انقلابا جذريا في المشهد الإقليمي سوريا، له بالغ الأثر على المحور بما يفوق بكثير ما تعرض له في لبنان.
وفي تقييم بسيط للمنتصرين، ستكون اسرائيل متصدرة للمشهد والقوة الكبرى والتي شرعت في عملية قضم للأرض السورية في موازاة عملية تدمير منهجية لهياكل الدولة السورية وعمادها الجيش.
لكن المشهد السوري سيكون مفتوحا على سيناريوهات عدة ويخطئ من يظن بأن الأمر استقر للحكام الجدد. فسوريا سوريات، وثمة تقسيم لمناطق نفوذ اقليمية وشعبية تجعل من هذا الكيان دولا عدة. في الشرق الثري حيث القوة الكردية والنفوذ الأميركي الذي بات الأقوى في المنطقة بمراحل عن السابق، وفي الغرب العلوي على الساحل المتصل بالخارج وحيث بدأ شبه تمرد على الحكام الجدد، وليس انتهاء بالجنوب حيث تقتنص اسرائيل فرصة فرض نفوذها في المناطق الدرزية وهي التي تقضم اصلا جزءا غنيا بالثروات المائية، ثم هناك العمق السني الذي تهيمن تركيا على قراره خاصة في الشمال حيث أيضا الثروات.. واذا ما اخذنا بعين الإعتبار الريبة العربية والخليجية والعداء الإيراني الذي يستدعيه الحكام الجدد، وقلة الدراية في الحكم وإفلاس الدولة والحصار، يصبح المستقبل السوري غامضا ولبنان مفتوحا معه على كل الاحتمالات.
لكن ما يريح اليوم لبنانيا اننا امام مرحلة مغايرة يريدها المجتمع الدولي جديدة لإعادة البناء وللشروع في الإصلاحات السياسية والإقتصادية من بوابة انتخاب الرئيس الجديد، وقبل ذلك تثبيت وقف النار ثم اعادة الإعمار، ليشكل العام الجديد فاتحة عهد جديد تغييري سمته الإستقرار مفتاح اعادة البناء الإقتصادي وجلب الإستثمارات العربية والدولية.
هذه هي المؤشرات الدولية والإقليمية في ما يتعلق بلبنان، لكن اسئلة بالغة الأهمية تبقى مطروحة ربطا بالمشهد السوري: هل سيكتفي نتنياهو باتفاق وقف النار الذي سبق المتغير السوري وانقلاباته؟ إلى اي حد سيبلغ تجاوزه في لبنان وكيف سيكون رد "حزب الله"؟ كيف ستكون شاكلة مواقف الحزب بعد الضربات التي تلقاها وانقطاع شريانه السوري (حتى الآن وليس بالضرورة مستقبلا)، وهل سيصيغ علاقة جديدة مع الباقين انطلاقا من ملف الرئاسة الخاص مسيحيا؟ وهل سيقبل بتقاسم النفوذ لبنانيا مع الأطراف الخارجية ذات النفوذ لبنانيا والتي استفادت من التراجع الإيراني في المنطقة؟ وغيرها من الأسئلة التي يبقى اهمها متعلقا بمصير السلاح والعلاقة مع الجيش اللبناني الذي سيشكل عنوان المرحلة المقبلة ليس فقط جنوبا بل داخليا، خاصة في ظل التساؤلات حول كيفية ردع العدوان جنوبا.
باختصار كانت سنة للنسيان، لكن العام المقبل سيكون أكثر إيجابية على لبنان.. أو هكذا هو الأمل.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك