كتبت جوانا فرحات في "المركزية":
أبعد من ملف قرار وقف إطلاق النار ومهلة الستين يوما التي تنتهي بعد أسابيع قليلة لتثبيته وفقاً للتطورات الميدانية ومدى التزام فريقي الإتفاق، وبغض النظر عن التطورات الإقليمية التي حصلت وتحديدا في سوريا بعد سقوط نظام الأسد يبقى ملف تفجير مرفأ بيروت الأقرب إلى أولويات المواضيع المطروحة بعد ملف رئاسة الجمهورية.
صحيح أنه لا يمكن إنكار تراجع قدرة حزب الله في التأثير على المواضيع السياسية والعامة في لبنان عموماً، لكن العرقلة والتأخيرات في موضوع المرفأ تحديداً، متشعبة ولا تقتصر على حزب الله فقط. فالقضية لها امتدادات قانونية وقضائية، حيث توقف التحقيق بسبب تقديم عدد من طلبات الرد بحق القضاة، وهذا مسلك قانوني لم يتغير على رغم التغييرات في الأوضاع السياسية.
إلا أن هذا الواقع في المشهد المهيمن، لا يلغي ثابتة وهي إصرار المحقق العدلي القاضي طارق البيطار على مواجهة التحديات، واستئناف التحقيقات وقد تسهم في الكشف عن المسؤولين الفعليين وراء الكارثة وتجيب أقله عن الأسئلة التالية: من خزن هذه المواد؟ وكيف وصلت إلى المرفأ؟ لماذا لم تقم الاجهزة الأمنية المتواجدة في المرفأ بعملها ولماذا رفضت محاسبة المسؤولين؟
المحامية سيسيل روكز توضح أن الجمود الحاصل في ملف المرفأ يعود إلى الحرب المعلنة على القاضي البيطار وليس بسبب الحرب على لبنان. وتشير إلى الجرأة والتصميم لدى البيطار لاستكمال التحقيقات على رغم كل العراقيل".
منذ أن أصدر المحقق العدلي طارق البيطار لائحة الادعاء مطلع تموز 2021، وضمّنها أسماء سياسيين وقادة أمنيين، بدأت خطة محاصرته قضائياً عبر عشرات الدعاوى التي أقامها السياسيون المدعى عليهم ضدّه، ما أدى إلى وقف إجراءاته منذ 23 كانون الأول 2021.
منتصف كانون الثاني 2023 أعدّ البيطار مطالعة قانونية استند فيها لاجتهادات قضائية تفيد بأن "المحقق العدلي يوازي بالدور والأهمية رئيس وأعضاء المجلس العدلي الذين لا يمكن ردّهم أو مخاصمتهم". وألحق هذا القرار بالادعاء على النائب العام التمييزي السابق القاضي غسان عويدات، والمحامي العام التمييزي القاضي غسان الخوري كونهما كانا على علم بوضع العنبر رقم 12 الذي كان يحوي النيترات في مرفأ بيروت، ولم يتخذا قراراً بملاحقة المسؤولين عن عدم إخراجها منه ولم يعطيا الأمر بإزالتها، بل ختما التحقيق الذي كان مفتوحاً يومها.
وعلى الأثر، سارع عويدات إلى الادعاء على البيطار بجرم انتحال صفة محقق عدلي، وأصدر مذكرة لإحضاره بالقوة ومنعه من السفر، كما أقدم عويدات على إطلاق سراح 17 موقوفاً في الملفّ، متجاهلاً مذكرات التوقيف الصادرة بحقهم.
بعد تكليف القاضي جمال الحجار نائباً عاماً تمييزياً، عقدت لقاءات بين الأخير والبيطار، وسادت أجواء التفاؤل باستئناف التحقيق، لكن سرعان ما تبدد هذا التفاؤل إثر معلومات عن إصرار الحجار على إخراج السياسيين والقضاة من الملفّ، الأمر الذي رفضه البيطار بالمطلق، ورأى أنه "لا يمكن تجزئة الملف وإفراغه من مضمونه".
"القاضي الحجار لا يزال عند رأيه بتقسيم الملف في حين يرفض البيطار ذلك على اعتبار أن كل متهم مدنيا كان أم عسكريا يجب أن يمثل أمام المجلس العدلي باستثناء رئيس الجمهورية وهذا واضح في المادة 356 من أصول المحاكمات الجزائية التي أعطت الصلاحية للمجلس العدلي بضم كل الجرائم المدنية الناتجة عن إرهاب وصفقات أسلحة وأعتدة .فالمجلس العدلي هو محكمة إستئنائية". وتضيف شقيقة الضحية في تفجير مرفأ بيروت جوزف روكز " في ما خص السياسيين ينص القانون على إحالة كل جرم خارج نطاق الوظيفة أمام المجلس العدلي باستثناء رئيس الجمهورية الذي يحال ملفه أمام المجلس النيابي".
وتختم روكز بعد الأعياد سيستأنف القاضي البيطار إجراءاته من خلال استدعائه لأشخاص مدعى عليهم سياسيين كانوا أم أمنيين . القاضي البيطار يصر على الوصول إلى الحقيقة وتطبيق العدالة على رغم كل الظروف والضغوطات التي تمارس عليه".
الأكيد أن البيطار لن يتوانى عن إصدار مذكرات توقيف غيابية في حق أي مدعى عليه يمتنع عن الخضوع للتحقيق ويصار بعدها إلى إصدار القرار الظني. فهل يقلب الطاولة على رأس "الممانعين"؟.
المحامي يوسف لحود يؤكد ل"المركزية" "أن لا علاقة لكل التدخلات والتغييرات السياسية على مسار ملف المرفأ ولا تأثير على وضعيته. فالملف يسير بطريقة عادلة والبيطار لا يخضع للتأثيرات. المشكلة الأساس تكمن في النزاع الحاصل بين مرجعيات قضائية. ثم هناك دعاوى التعسف التي تقدم بها بعض المدعى عليهم لرد القاضي البيطار ومخاصمة الدولة عن أعمال بعض القضاة ورد بعض القضاة بمن فيهم البيطار. وهذا ما أدى إلى العرقلة المرحلية والتي ستنقضي في القريب العاجل".
يبقى اختبار النزاع القضائي بين البيطار والحجار. وفي هذا السياق يقول لحود" الأمر منوط بالقاضي البيطار إذ عليه أن يجد الحلول لمتابعة التحقيقات وأن يصرّح في العلن عن العراقيل التي تعترض عمله. إذ لا يجوز وضع أية عراقيل إزاء قضية مماثلة بحجمها الإنساني والقضائي".
وحول طرح الحجار تقسيم الملف يؤكد لحود أنه لا يجوز قانونا. "فصلاحية المحقق العدلي تشمل الجميع باستثناء رئيس الجمهورية وإذا ما ثبت لدى البيطارأن رئيس الجمهورية آنذاك ميشال عون "كان يعلم" من واجبه أن يصرح عن ذلك ويتولى المجلس النيابي مهامه إنطلاقا من الصلاحيات الدستورية المعطاة له. أما التذرّع بأن التحقيق مع كل المتهمين السياسيين من صلاحية المجلس النيابي فهذا يعني دفن الملف".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك