احتفل رئيس اساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم بقداس الشكر لعودة اهالي بلدة مشغرة الى بلدتهم سالمين، في كنيسة سيدة النياح بمشاركة النائب الأسقفي العام الأرشمندريت نقولا حكيم وكاهن الرعية الأب زاكي التن، بحضور الصحافي نصري الصايغ وعقيلته، مدير تحرير جريدة النهار غسان حجار وعائلته، رئيسة ثانوية راهبات القلبين الأقدسين في مشغرة الأم كوليت مغبغب، مجلس الرعية، وكلاء الوقف وعدد من أبناء البلدة.
بعد القداس الإلهي والذبيحة الإلهية كان للمطران ابراهيم عظة هنأ فيها بعودة الأهالي سالمين الى مشغرة، وقال: "نلتقي اليوم في هذه الكنيسة المقدسة، كنيسة سيدة النياح، التي شهدت معكم ألم الحرب وقساوة القصف الذي لم يفرق بين حجر وبشر. مشغرة، هذه البلدة التي تزهو بجمال طبيعتها وسلام أهلها، عانت من جراح عميقة في الأيام الماضية، لكنها وقفت شامخة، مسلحة بالإيمان والرجاء".
اضاف" تدعونا اليوم كلمات القديس بولس الرسول في رسالته إلى أهل كولوسي للتأمل بعمق: "وليتغلب في قلوبكم سلام الله، السلام الذي إليه دُعيتم في جسد واحد" (كو 3: 15). هذه الدعوة ليست مجرد نصيحة، بل هي طريق حياة. سلام الله ليس فقط غياب الحرب، بل هو سلام يفيض من محبة الله، يسكب الطمأنينة في القلوب المتألمة، ويرمم ما دمرته الحروب في الأرواح".
تابع: "حين أصاب القصف بلدتكم الحبيبة، أصاب معه قلوبنا جميعًا. لكننا كمؤمنين نعلم أن الله، الذي سمح بهذا الألم، لم يترككم لحظة واحدة. كان معكم في كل لحظة خوف، في كل صلاة همست بها قلوبكم المرتجفة، وفي كل يد امتدت لتواسي وتساند. سلام الله، الذي يتحدث عنه القديس بولس، هو القوة التي جعلتكم تصمدون وتواجهون الموت بالحياة، والخوف بالإيمان. إن الكنيسة التي نصلي فيها اليوم ليست مجرد جدران، بل هي شهادة حيّة لصمودكم، أنتم أهل مشغرة. هي شهادة على تضامنكم مع بعضكم البعض، وعلى محبتكم التي لم تهتز في وجه القسوة. لقد أثبتم أنكم جسد واحد، كما دعاكم المسيح، يعمل بالمحبة ويتحلى بالصبر".
وقال: "نحن هنا لنرفع صلاتنا من أجل أرواح الذين دفعوا حياتهم ثمنًا لشهادة. وأن يمسح دموع كل أم وأب، كل أخ وأخت، من أهالي مشغرة فقدوا أحباءهم. كما نصلي من أجل شفاء الجرحى، كي يمدهم الله بالقوة والصحة ليعودوا إلى حياتهم سالمين معافين".
واردف: " لكم كل الحق أن تعتبوا علينا وعلى غيرنا، كلنا قصّرنا ولو عن غير قصد. فالحقيقة ان همّ مشغرة لم يغب عنا. وحاولنا ان نجد حلولاً لم تكن بالمنال وتواصلنا مع بعض المرجعيات، لكن هذه هي اوضاع الحرب مع الأسف، والفوضى التي تسود خلالها، وغياب القرار، خصوصا اجهزة الدولة. والواقع اننا حاولنا بقدر ما أمكننا. وقد عرضنا توفير مساكن للذين لم يتوافر لهم منزل. ونحن على استعداد دائم للوقوف الى جانب كل منكم، فنحن اعضاء في جسد واحد. وسنتابع ملف الاعمار بالتأكيد، ولن نترك اهلنا".
واعتبر ان "اقتحام بيوت المسيحيين أمرٌ استنكرناه، وهو أمر لا نقبله، ونعتبر انه اساء الى العيش المشترك الذي ننادي به، ونتمسك به، وندعو المسؤولين الى اصلاح الضرر النفسي والوطني الحاصل، كما ندعوهم الى توفير المساعدات، لإعادة بناء المنازل التي هُدمت او تضررت. لكن كما تراقبون التطورات الحاصلة اليوم في سوريا حيث بطريركيتنا، وكنائسنا، وناسنا، والامور تتفلت ولا قدرة لرئيس او لبطريرك او مطران على الـتأثير في مجراها، واعلم ان عددا كبيرا من اهالي مشغرة يقيم في سوريا، نصلي ايضا من أجلهم، كي لا يصيبهم مكروه، وان يستقر الوضع في سورية وفي وطننا العزيز لبنان".
اضاف: "في لحظات الألم والضيق التي عاشتها مشغرة، لم تكن المعاناة محصورة بين حدودها الجغرافية فقط، بل امتدت لتخترق قلوب أبناء البلدة في المغتربات، أولئك الذين هاجروا بأجسادهم لكن قلوبهم ظلت متعلقة بتراب الوطن. كم من عين دمعت بعيدًا وهي تتابع الأخبار التي ملأت أرواحهم بالقلق والخوف؟ وكم من قلب تقطع شوقًا ووجعًا، يتمنى لو استطاع أن يكون حاضرًا بين أحبائه ليواسيهم ويحمل عنهم بعضًا من هذا الألم؟. وإلى أحبائنا في المغتربات، نوجه اليوم تحية من القلب. مشغرة ستبقى دائمًا أرضهم الغالية، وحكايتهم التي لن تنتهي".
ختم: "لا يمكننا أن نختم دون أن نشكر كل من وقف إلى جانب مشغرة في محنتها. ولكن الشكر الأعظم نقدمه لله، الذي برغم قسوة الأيام، حفظكم في بلدتكم وأعاد مَن غادروها إلى بيوتهم سالمين، ووهبهم القوة ليكونوا شهودًا لإيمانهم بأرضهم. فلنستمر في رفع صلواتنا، طالبين من سيدة النياح أن تبقى شفيعةً لكم، وأن تحمي بلدتكم وأهلكم، وأن تزرع سلام الله في قلوبكم، ذلك السلام الذي يتغلب على كل ألم ويقودنا نحو الحياة الأبدية. ليبارككم الرب، ويحفظ مشغرة وأهلها، ويمنحها دائمًا السلام. آمين".
بعد القداس التقى المطران ابراهيم المؤمنين في صالون الكنيسة وتوجهوا جميعاً الى كنيسة القديس نيقولاوس للروم الأرثوذكس حيث قدموا التهاني بعيد شفيع الرعية، وكان الأب متري الحصان في استقبال المطران ابراهيم، والقى كلمة رحب به خلالها باسم المتروبوليت انطونيوس الصوري، مشدداً على وحدة الكنائس في مشغرة.
من ناحيته شكر المطران ابراهيم على الاستقبال مؤكداً اخوته ومحبته للمتروبوليت الصوري، ونوّه بالنموذج الذي تقدمه الكنيسة في مشغرة، وهنأ ابناء الرعية بعيد شفيعهم القديس نيقولاوس.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك