كتب د. جورج حرب:
عمليّة لحماس داخل فلسطين المحتلّة، شغلت العالم ووضعته أمام تساؤلات أساسيّة، ثمّ تمّ دعم من محور الممانعة، بمعارك مساندة وإشغال، وتطوّرت لأحداث بعده دراماتيكيّاً، وبعد جوجلتها وجمعها نكون أمام تساؤلاتٍ كثيرة مشروعة.
من هو السنوار؟ وما علاقته بالإسرائيليّين الذين سُجن عندهم قرابة ثلاثين عاماً؟ وهل في علم السياسة والعسكر والأمن معاً، يمكن لشخص تمّ سجنه لدى عدوّ لفترة ولو وجيزة، إعادة تسليمه المسؤوليّات التي كان يشغلها قبلاً من دون مخاطر تجنيده في سجنه؟
هل من الطبيعيّ أن يبادل السنوار حوالى 100 أسيرٍ إسرائيليٍّ بعد العمليّة بـ 300 أسير فلسطينيّ فقط، في حين أن من تسلّمهم ليسوا من أصحاب المؤبّدات ولا الأحكام الطويلة، بل من المعتقلين نتيجة إشكالاتٍ بسيطة؟ وقبله كان أحمد جبريل قد استبدل 3 أسرى إسرائيليّين بـ 1200 أسير من المحكومين الفلسطينيّين في الّسجون الإسرائيليّة.
في اليوم التالي للهجوم، هل من الطبيعيّ أن ينسحب الجيش الإسرائيليّ من شمال إسرائيل؟ ولولا حكمة السيّد (رحمه الله) آنذاك، لدخل الحزب إلى الجليل من أجل توريطه، وهذا ما كان مطلوباً.
بعدها بفترة، صرّح مدير المخابرات المصريّة عبّاس كامل أنّه أبلغ مدير الموساد الإسرائيليّ تحضير حماس لعمليّة كبيرة في إسرائيل، ولمّا لمس عدم اهتمامه وتقديره لخطورة الموقف، عاد الضّابط المصريّ واتّصل برئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتانياهو، ووضعه في جوّ التحضيرات للعمليّة، وكما صرّح كامل في ما بعد، "نتانياهو لم يكن يريد أن يسمع"، صرّح أيضاً مدير المخابرات الإسرائيليّة في منطقة الشمال للإعلام، أنّه أبلغ رؤساءه بتحرّكاتٍ خطيرة على الحدود قبل 3 ساعات من البدء بالعمليّة، ولم يردّوا عليه.
بعد يومين من العمليّة، توعّد نتانياهو الرئيس السوريّ بأنّ هذه العمليّة بداية تغيير الشرق الأوسط القديم باتجاه الجديد، وأراد بعدئذٍ من لبنان الذهاب نحو معركة استنزاف لسنة ونيّف، واغتال الإسرائيليّون 540 كادراً في المقاومة، ثمّ استهدفوا عبر البيجر والأجهزة حوالي 5000 كادر ثمّ انتقلوا إلى اغتيال فؤاد شكر ثم قادة الرضوان وصولاً إلى اغتيال السيّد ومن بعده القادة الذين لم يتأكّد استشهادهم حتى الساعة، ثم قام سلاح الجوّ الإسرائيليّ بقطع طريق المصنع، وتابع بقصف القدرة الصاروخيّة عند المقاومة، وتبيّن أنّ الجيش الإسرائيليّ يقوم بعمليّة ممنهجة ومدروسة، قبل الوصول إلى الدخول البرّيّ الحاليّ الذي يقوم به، إذ بدأ بعمليّات استطلاع ومناوشات في الجنوب حاليّاً.
عندما أطلق الإسرائيليّ العمليّة البريّة في الجنوب، صرّح أنّها عمليّة بسيطة وموقتة ومحدودة، فحجّم سقف التوقّعات لدى جمهوره، وفي حين فشله يمكنه أن يحفظ معنويّات جيشه، من أجل ذلك لم يحاسب الإسرائيليّون حكومتهم حتى الساعة على فشلها في الدخول البرّيّ، رغم الخسائر التي تُوقعها بها المقاومة، وفي المقابل، رفعت الجهة اللبنانيّة على مدى أعوامٍ سقف التوقّعات، فوصل بها إلى الوضع الحاليّ مع كلّ تبعات الحالة النفسيّة التي طاولت جمهورها.
علي نسمان، هو صحافي وناشط فلسطينيّ مقاوم، كان قد نشر قبل أسبوعين من 7 تشرين 2023، محاكاةً لاقتحام الحدود مع غزّة، فدهمه الجيش الإسرائيليّ وقتله، إذاً كان يعرف الإسرائيليّ بالمحاكاة، وغيره، كالعميل الذي أوقفه الأمن اللبنانيّ بعد إبعاده من تركيا إلى لبنان، واسمه خليل بو مازن، من غزّة وناشط مع حماس، اعترف بتعامله مع الاسرائيليّ، واعترف ايضاً أنه اخبرهم بعمليّة تحضّرها حماس على الحدود مع إسرائيل وتحديداً في منطقة غلاف غزّة.
إنّها لأحجية مثيرة، وتوريطٌ للبنان وللمقاومة بمعركة مفاجئة، وصولاً إلى ما وصلنا إليه اليوم، من تبادل لتهديداتٍ بين إيران وإسرائيل بضرباتٍ قاسية، بعد ضرباتٍ مدروسة كانت بينهما، واستشراسٍ أوروبيٍّ ملحوظ منعاً للضربة، حفاظاً على مكامن النفط الإيرانيّة وعقودها المموّهة بينهم وبينها، والتي تمرّ في أنفاقٍ تحت حواجز العقوبات الأميركيّة، من دون أن ننسى الإطار التهجيريّ لاستراتيجيّة الجيش الإسرائيليّ، مقابل ترحيبٍ عراقيٍّ "بالضيوف" اللبنانيّين، وتأمين منازل جديدة لهم، والسماح لهم بالعمل في شتى الوظائف الحكوميّة والخاصّة، منذ لحظة وصولهم أرض العراق، وكلّه خارج إطار المنطق والقوانين، إذاً هو محضّر، إذاً هناك خطّة.
كان يمكن ان نتفادى فخّ هذه الحرب، التي كانت في تكتيكاتها العسكريّة والأمنيّة وبالتالي السياسيّة مختلفة عن باقي الحروب، ولن يبقى أمام اللبنانيّين من ترف وقتهم إلّا أسابيع لا بل أيّام، ليلتمّوا حول بعضهم لرسم إطارٍ جديدٍ لصيغة لبنانيّة جديدة ومتطوّرة، والعودة إلى الساحة العربيّة والدوليّة حفاظاً على ما تبقّى، وتجنّباً للآتي الأعظم فوق رؤوس الجميع، إذا ما تابعوا بعيداً وجميعاً في حالة الإنكار.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك