منذ أن استولى الرئيس السوري حافظ الأسد على السلطة عام 1970 عبر "الحركة التصحيحية"، دخلت سوريا في عهد من الحكم المطلق، حيث تمركزت السلطة في يد النظام وأجهزته الأمنية، وسُحق أي صوت معارض. فرض الأسد الأب سيطرته عبر القمع الدموي، وكان أبرز مثال على ذلك مجزرة حماة عام 1982، التي قُتل فيها عشرات الآلاف.
بعد وفاة حافظ الاسد عام 2000، ورث ابنه، الرئيس السوري بشار الأسد، الحكم، وواصل النهج ذاته ولكن بأساليب أكثر التفافًا. أطلق وعودًا بالإصلاح، لكنه سرعان ما أخمد أي محاولة للانفتاح، وحوّل الاقتصاد إلى سوق مغلقة بيد عائلته وأركان نظامه، مما أدى إلى إفقار الشعب وانتشار الفساد والمحسوبية.
عمّق بشار الاسد تحالفه مع إيران، وسلّم سوريا للنفوذ الروسي بعد اندلاع الثورة عام 2011، عندما واجه الاحتجاجات الشعبية بالرصاص والسجون والمجازر، محولًا سوريا إلى ساحة حرب مفتوحة دمّرت مدنها، وأدت إلى تهجير الملايين، وجلبت احتلالات أجنبية متعددة.
بعد أكثر من 50 عامًا من حكم الأسد، ترزح سوريا تحت دمار اقتصادي وعزلة دولية وحالة من الفوضى، حيث لم يبقَ من الدولة سوى بقايا نظام يعتاش على القمع والفساد، بينما يعاني الشعب من الفقر والتشرد واليأس. ومع ذلك، بعد سقوط النظام، تأمل السوريون في أن ينعم بلدهم بالاستقرار والأمن، إلا أن الأيام الماضية شهدت مجازر مروعة في الساحل السوري، ذكّرتهم بالمجازر التي ارتكبها النظام السابق إبان اندلاع الثورة السورية.
ووفقًا للتقارير، اندلعت اشتباكات عنيفة بين فلول نظام الأسد والفصائل المسلحة السورية، مما أسفر عن مقتل أكثر من ألف شخص. ووصف رئيس المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، في بيان، هذه الحوادث بأنها "واحدة من أكبر المجازر في الصراع السوري".
من جهته، دعا رئيس المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، في خطاب ألقاه مساء الجمعة، أنصار الأسد إلى إلقاء أسلحتهم قبل فوات الأوان، مؤكدًا ضرورة إنهاء الاقتتال وحصر السلاح بيد الدولة. كما عبّر عن استنكاره للاعتداءات وجرائم القتل واقتحام المستشفيات، مشددًا على أهمية ملاحقة فلول النظام السابق ومحاسبة كل من اعتدى على حقوق السوريين.
كما طالب الشرع الجيش بضبط النفس في تعامله مع فلول النظام، موضحًا أن أفرادًا من النظام السابق يتعمدون استفزاز الجيش السوري لإشعال مزيد من الفوضى.
وبعد موجة العنف التي شهدها الساحل السوري، وقع الشرع وقائد قوات سوريا الديموقراطية مظلوم عبدي اتفاقا يقضي "بدمج" كافة المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية في إطار الدولة السورية، وفق ما أعلنت الرئاسة.
ونشرت الرئاسة السورية بيانا وقعه الطرفان وجاء فيه أنه تم الاتفاق على "دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز".
فهل ستدخل سوريا في موجة جديدة من الصراعات الدموية والطائفية، خاصة بين السنة والعلويين؟ وما مدى إمكانية انزلاق البلاد نحو التقسيم؟ واستتباعًا، هل انضمام قوات سوريا الديمقراطية إلى صفوف الجيش السوري قطع هواجس التقسيم؟
تعليقًا على انضمام "قسد" للسلطة الجديدة في سوريا، يقول العميد المتقاعد ناجي ملاعب لـ"المركزية": "ما حصل بالأمس من اتفاق تسليم المراكز الحكومية والثكنات وانخراط 'قسد' داخل الجيش السوري، والتي غالبيتها من العنصر الكردي، لم يكن ليحصل لولا وجود رغبة أميركية. ولا ننسى أن هناك سبع قواعد أميركية في مناطق انتشار قوات سوريا الديمقراطية، إضافة إلى السلة الزراعية في نهر الفرات و13 مركزًا قد يكون منتجًا للغاز والبترول".
ويضيف: "حصول ذلك يعني أن الولايات المتحدة تسعى إلى توحيد سوريا لا تقسيمها، والواضح أن الإدارة الجديدة، والمدعومة من تركيا، ليست إدارة منفردة، أي لم تأتِ بالصدفة، وداعموها موجودون لدرجة أن تعيين ملحق عسكري تركي في السفارة السورية يقود تنظيم الجيش الجديد في سوريا من تسليح وتدريب، وهذا لا يدل على أن هناك تقسيمًا في سوريا. فالتعاطي الروسي مع الإدارة الجديدة يشير إلى أن روسيا تحاول الحفاظ على مكتسباتها التي حصلت عليها مع النظام السابق، سواء بعقود استخراج المواد الهيدروكربونية من الصحراء السورية أو من خلال التواجد في قاعدتين بموجب اتفاقية مدتها 50 سنة على الساحل، وهذا مهم استراتيجيًا للروس. يحاول الروس التفاهم مع النظام الجديد، حيث رأينا زيارات دبلوماسية جرت لبحث هذه الأمور".
وردًا على سؤال، يشير إلى أن إيران تجد صعوبة في إعادة قواها العسكرية أو إعطاء دور جديد لحزب الله في سوريا، إذ انتهى دور كل منهما هناك. لافتًا إلى أن "إذا جئنا بهذه العوامل الثلاثة، نرى أن هناك شكًا فقط في العامل الإسرائيلي، لأن إسرائيل تحاول التمدد نحو الحدود مع الأردن وصولًا إلى منطقة الأكراد والعراق".مضيفا: "الخطورة تكمن في هذا المشروع، المعروف بممر داوود، لأن إذا ما دعمت إسرائيل هذا المخطط وحصلت على موافقة أميركية، فقد تصبح الأمور أكثر تعقيدًا. يعني أن هناك ثلاث تدخلات خارجية قيد المعالجة، لكن التدخل الإسرائيلي قد يؤثر مستقبلًا".
ويختم: "ما حصل في سوريا في الأيام الأخيرة هو عمليات انتقامية من سلطة لا ننسى أنها ألقت براميل متفجرة على مختلف المناطق في سوريا، مستهدفة الشعب المعارض للنظام، إذ عومل بطريقة عنيفة جدًا، ولا ننسى المجازر التي ارتكبت واستخدام الأسلحة الكيميائية. لذلك، كانت ردة الفعل انتقامية وإجرامية وغير مبررة إطلاقًا. لكنني أعتقد أن هذه القوى لم تكن مدعومة من أي جهة خارجية، وبالتالي لن تسير الأمور باتجاه التقسيم أو الفتنة بين السنة والعلويين، باستثناء بعض الأحداث الفردية التي من الممكن معالجتها سريعًا".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك