بعد دخول القوات السعودية الى البحرين وبعد إجازة مجلس الامن استخدام القوة لحماية المدنيين الليبيين وفرض منطقة حظر جوي في ليبيا، دخلت الاحتجاجات المطالبة سواء بالاصلاح او بالتغيير في الدول العربية في مرحلة جديدة تتنافر في عناصرها مع العناصر التي صنعت ثورتي تونس ومصر.
فالسعودية دخلت الى البحرين لرسم خط احمر امام سقف المطالب التي رفعها المحتجون في دوار اللؤلؤة بالمنامة وللتأكيد بأن أي خلل في تركيبة الحكم البحريني غير مسموح بها مهما بلغت عدالة المطالب التي يتسلح بها المحتجون. وكانت الرسالة السعودية الى المحتجين بأنه لا يجوز النفاذ من المطالب الاصلاحية الى مطالب تمس تركيبة الحكم حتى ولو كان هذا الحكم يمثل اقلية في المملكة البحرينية.
وفي الحال الليبية تبدو البلاد مرشحة للانزلاق نحو عراق ثانٍ بعدما استخدم العقيد معمر القذافي القوة لقمع المتمردين على نظامه. وبعدما عاشت المدن الليبية ما يشبه الحرب الاهلية منذ اكثر من شهر، دخل مجلس الامن على الخط حامياً للمحتجين في وجه النظام. لكن المسألة لا تنتهي عند هذا الحد. إذ ان التدخل العسكري الغربي المطعم عربياً قد لا يتمكن من حسم الامور من الجو. وعندها سيجد مجلس الامن نفسه مضطراً لاصدار تفويض بارسال قوات برية، ليتكرر سيناريو شبيه بالمشهد العراقي مع فارق ان مجلس الامن لم يجز استخدام القوة في العراق، وحتى منطقتا الحظر الجوي فوق جنوب العراق وشماله في التسعينات كانتا مفروضتين بقرار اميركي – بريطاني.
وفي النهاية فإن أي تدخل عسكري سواء كان بتفويض من مجلس الامن او من دونه، مرشح للتحول الى احتلال والى وجود بعيد الامد كما هي حال العراق وافغانستان. لذلك فإن محاذير كثيرة ترافق قرار مجلس الامن اليوم الذي غايته دعم المطالبين بإطاحة نظام القذافي. والخوف هو ان يتحول الامر الى تورط اجنبي لا يحقق الهدف الذي من اجله اتخذ القرار.
وفي الحالين الليبية والبحرينية، تبدو ان المطالبة بتغيير النظام في طرابلس او باصلاحه في المنامة، تواجه مازقاً لم يواجهه الذين طالبوا باسقاط زين العابدين بن علي في تونس او حسني مبارك في مصر. إذ ان موجة التغيير تصطدم اليوم بجدار من القوة. وهذا ما ادى في البحرين الى الدخول العسكري السعودي الداعم للعائلة المالكة هناك. وكذلك ادى الى اتخاذ مجلس الامن قرارا يجيز استخدام القوة في ليبيا لدعم المطالبين بإطاحة القذافي. وفي الحالين تبدو ان حركة الاحتجاج قد ذهبت في مناح اخرى وبدأت تواجه مقاومة عنيدة. ولا يقل ما يجري في اليمن من مقاومة للتغيير عما يجري في ليبيا والبحرين.
وهذا ما يضع الاحتجاجات الشعبية التي بدأت في الدول العربية قبل ثلاثة اشهر امام مأزق حقيقي. ويطرح تساؤلات عن مدى قدرة القوى الخارجية على الدفع بالاصلاح في هذه الدولة او تلك لا سيما ان فرض الديموقراطية بالقوة في العراق قاد الى صراع مذهبي وطائفي وعرقي والى تفتيت فعلي لهذا البلد. واذا كان التدخل الخارجي يجب ان يكون مستبعداً فإن ذلك لا يعني انه يجب الاستغناء عن خطوات الاصلاح او السير في اتجاه تعزيز الحرية والديموقراطية والاصلاح الاقتصادي في هذا البلد او ذاك.
ومن هنا تقع على عاتق الدول العربية نفسها ان تبادر الى الاصلاح بالخطوات التي تراها مناسبة كي تفوت على الخارج فرصة التلاعب بها من الداخل عبر ركوب موجة التغيير.
وحتى الان لا يحمل ما يجري في ليبيا والبحرين على التفاؤل كثيراً باحتمال تكرار نموذجي تونس ومصر
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك