لن يشذ العام 2018 عن السنوات السابقة من حيث نقل الأزمات من عام إلى آخر من دون أن يعني ذلك أن أفق الحلول سيكون مفتوحا على المعالجات الجذرية المطلوبة، والتي تاق إليها اللبنانيون بعد طول انتظار مطبوع بالتسويف والمماطلة غير المبررة والمماحكات السياسية التي صارت خبز الناس اليومي، فيما المسؤولون يصمون آذانهم عن أنين مواطنيهم. إنطلاقا من هنا، وتماما كما ورث العام 2018 من سلفه ما عرف بـ"ازمة المرسومين" التي فجرت خلافا حادا بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والتيار الوطني الحر، سجل العام الذي يستعد لطي صفحته الأخيرة فشلا مدويا في الوصول إلى نهاية حكومية سعيدة، ما نقل كرة النار إلى العام المقبل.
غير أن أحدا لا يشك في أن ما تعرض له المسار الحكومي من سقطات، ليس إلا إحدى نتائج الصراع التحاصصي على ترجمة نتائج الانتخابات النيابية، التي نجح لبنان في تجاوز اختبارها بنجاح في النصف الأول من العام 2018، مقاعد وزارية، غداة معارك ضارية استخدمت فيها "الأسلحة السياسية والكلامية على أنواعها"، خصوصا أن الجميع بدا متهيبا خوض المنازلات الانتخابية على أساس القانون النسبي الذي نجح المجلس السابق في إقراره، مطعّما بتمديد ثالث.
وفي سياق المواجهات الانتخابية تدرج المعركة الأولى التي افتتحت بها سنة 2018. ففي خضم "خلاف المرسومين" على خط بعبدا-عين التينة، فجر تصريح من العيار الثقيل من جانب رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل شعرة معاوية بين الطرفين. وفي جولة انتخابية في عرينه البتروني في 28 كانون الثاني 2017، وصف باسيل رئيس مجلس النواب نبيه بري بـ "البلطجي"، في لحظة سياسية نادرة وثّقتها كاميرا رئيسة قسم محمرش (قضاء البترون) الكتائبي ريمي شديد، في شريط فيديو ما لبث أن غزا مواقع التواصل الاجتماعي، وفجر ردة فعل عنيفة جدا من جانب مناصري أمل، لم يفلح في اخمادها اعتذار من باسيل حرص على تقديمه عبر وسائل الاعلام المقربة من الثنائي الشيعي. ذلك أن مؤيدي حركة أمل ذهبوا في رد فعلهم بعيدا، إلى حد استخدام الشارع وتنفيذ بعض ما يمكن تسميتها استعراضات القوة في مناطق نفوذ التيار الوطني الحر، لا سيما في بعبدا وسن الفيل، حيث المقر العام للتيار. كل ذلك استدعى تدخلا "ابويا" من رئيس الجمهورية الذي بادر إلى الاتصال ببري لوضع حد نهائي للخلاف.
غير أن تدخل عون لـ "فض المشكل" لم يحل دون انسحاب السجال الكلامي العنيف على الاستحقاق النيابي حيث لم يتوان باسيل عن التأكيد مرارا أن شيئا لن يثني التيار الوطني الحر عن خوض المعارك الانتخابية في مناطق الحضور الكبير للرئيس نبيه بري، وهو ما انتهى إلى خسارة التيار البرتقالي أحد المقاعد المارونية في جزين، حيث نسج العونيون أغرب تحالفاتهم الانتخابية ومدوا اليد إلى الجماعة الاسلامية التي لا يلتقون معها على أي مبدأ سياسي. غير أنه من المفيد الاشارة هنا إلى أن المواجهة البرتقالية مع الثنائي الشيعي شملت أيضا الأقنوم الآخر فيه، حزب الله. وهو ما تشهد عليه بقوة دائرة كسروان- جبيل، حيث أعلن باسيل صراحة رفض "فرض" المرشحين على التيار في المناطق التي يسجل فبها حضورا لافتا. فنزل التيار بثقله في عرينه الكسرواني الجبيلي لإنزال الهزيمة، بحسين زعيتر، مرشح حزب الله عن المقعد الشيعي الوحيد في الدائرة، والذي خشي البعض من أن يكون انتصاره مقدمة لتغيير هوية قضاء جبيل المشهود له بالحرص على العيش المشترك. وإذا كان التيار قد بلغ هذا الهدف، فإنه فشل في التحالف مع شريك تفاهم معراب، القوات اللبنانية في جبيل كما في سائر الدوائر، كما في التسبب بخسارة المرشح المدعوم من معراب زياد حواط. غير أن أعنف المعارك الانتخابية المسيحية تبقى تلك التي دارت في قضاء المتن، بين التيار والقوات وحزب الكتائب، باعتبار أن لا يمكن فصلها عن بعض الأحداث الأساسية التي سجلها العام الفائت. وفي هذا السياق، تتبادر إلى الأذهان المواجهة العنيفة بين النائبين سامي الجميل وابراهيم كنعان. ففيما كان الأخير يعتد بنجاح مجلس النواب، من باب عمل لجنة المال والموازنة النيابية، في اقرار موازنة عام 2018، رفع الجميل صوت الاعتراض على المادة 49 من الموازنة التي تجيز للأجانب الذين ينجحون في تملك شقة في لبنان حق الاقامة الدائمة في لبنان، ما رفع لدى رئيس الكتائب المخاوف إزاء توطين محتمل للاجئين الفسطينيين والسوريين في لبنان، ودفعه إلى القفز فوق التبريرات التي قدمها كنعان والتيار الوطني الحر، لتقديم طعن بالموازنة العامة أمام المجلس الدستوري في 24 نيسان 2018، ما أدى إلى تعليق العمل بالمادة 49 في 26 نيسان، قبل أن يصدر المجلس الدستوري قرارا بإبطال المادة 49 من الموازنة نهائيا. معركة كسبها رئيس الكتائب بعد أسبوع واحد على تحقيق الفوز بولاية نيابية ثانية، في 14 أيار، وإن كان الاستحقاق الذي خاضته الصيفي وحيدة (ما خلا دائرة الشمال الثالثة، حيث التقت انتخابيا مع الحليف القواتي التاريخي) اانتهى تقليص عدد أعضاء الكتلة الكتائبية إلى 3 نواب، في مقابل نجاح القوات في تكريس حضورها "المسيحي القوي" بدليل رفع عدد نوابها من 8 إلى 15، بينهم النائب أنطوان حبشي الذي خرج منتصرا من حلبة المعركة في دائرة بعلبك الهرمل تعد عرينا لـ "حزب الله" الذي نقل جميل السيد من صفوف الأجهزة الأمنية والمطلوبين للشهادة أمام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان إلى منصب نائب الأمة، في خيار أثار حفيظة بعض القوى، لا سيما المسيحية منها. أما التيار الوطني الحر، فنجح هو الآخر في رفع عدد نوابه إلى 29، من باب تحالفات وصفها البعض بالغريبة العجيبة، وإن كان بعضها سجل مكاسب انتخابية لافتة. وفي هذا السياق، يبقى الالتقاء الانتخابي مع تيار المستقبل والحزب الديموقراطي اللبناني في الشوف- عاليه. خياران أتاحا للعونيين إيصال رئيس التيار جبران باسيل إلى الندوة البرلمانية، في المرة الثالثة التي يخوض فيها الانتخابات، وتسجيل خروق لافتة في العرين الجنبلاطي حيث حصدوا أربعة نواب ستكون مقاعدهم الوقود الذي سيشعل اشتباك العهد والمختارة في مفاوضات التشكيل.
وفي وقت كان ركيزة العهد يكسب رهان النجاح في الانتخابات النيابية، كان عداد التيار الأزرق يسجل بعض الخسائر المهمة للرئيس سعد الحريري، لا سيما في طرابلس وبيروت، في نتيجة يعتبرها بعض المحللين إنعكاسا مباشرا للنسبية (التي أدخلت الزميلة بولا يعقوبيان إلى مجلس النواب تحت راية المجتمع المدني الذي نجح في تشكيل لوائح انتخابية في عدد من الدوائر)، فيما يعزوها آخرون إلى امتعاض سني من الخيارات السياسية التي ركن إليها الرئيس سعد الحريري في المرحلة الأخيرة، لا سيما منها إبرام التسوية الرئاسية الشهيرة مع العماد ميشال عون.
وفيما كان لبنان بحكامه وزعمائه والطامحين إلى المناصب فيه، غارقا حتى العظم في المستنقع الانتخابي، كان المجتمع الدولي يبذل جهودا لانقاذ بلد الأرز من كبواته الاقتصادية المزمنة، على وقع قنبلة التزايد في أعداد اللاجئين السوريين، مع كل ما يعنيه ذلك من عبء يتكبده لبنان في غياب أي توجه دولي إلى حل الأزمة السورية. فبدفع من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، استضافت كل من روما وباريس وبروكسل مؤتمرات دولية خصصت لدعم الجيش (روما، 15 آذار) والاستثمارات النهوض الاقتصادي (ما عرف بـ مؤتمر سيدر المنعقد في فرنسا في 6 نيسان) وحل قضية اللاجئين السوريين (بروكسل، 25 نيسان). علما أن هذه الخطوات، لا سيما منها المساعدات التي نالها لبنان في سيدر، والمرتبطة بإصلاحات بنوية وضرورية للنهوض بالاقتصاد الوطني- وبينها الموازنة التي أقرت على عجل يفسر المخالفات التي تضمنتها- أثارت حفيظة بعض القوى اللبنانية، على اعتبار أن القروض التي رصدت للبنان ليست إلا أرقاما جديدة سيسجلها عداد الدين العام، الذي ستدفع ثمنه من دون شك الأجيال المقبلة من اللبنانيين.
غير أن معاينة دقيقة للصورة السائدة منذ ما بعد استحقاق أيار تتيح اختصار الوضع اللبناني المحلي بأغنية للفنانة هدى حداد من كلمات العملاق منصور الرحباني: "أنا قلبي على حبيبي وهو قلبو على الحجر". ففي وقت يتطلع فيه المجتمع الدولي إلى مرحلة جديدة من التعاون مع لبنان، ذي السلطة التشريعية الحديثة الولادة، أطلقت مختلف القوى السياسية العنان لحربهم الحكومية المفتوحة على تناتش علني للحصص الوزارية في حكومة يعتبرها العهد حكومته الأولى آملا في أن تعمر حتى الانتخابات النيابية المقبلة. وإذا كان ذلك يعني أن الجميع يجري حسابات بعيدة المدى ويحاول إرساء التوازنات السياسية التي ستحكم المشهد في النصف الثاني من العهد العوني، فإنه من دون أدنى شك لا يسهل المهمة على الرئيس المكلف سعد الحريري الذي اختاره 111 نائبا (بمن فيهم معارضوه) على وقع تحفظ حزب الله للعودة إلى السراي الحكومية، متأبطا تشكيلة أرادها إنعكاسا لـ "الوحدة الوطنية"، وإن كان من المتوقع أن تخلو الحكومة المنتظرة من الكتائبيين والقوميين.
وفي هذا السياق، لا تغيب عن بال أنصار طرفي تفاهم معراب الحرب التمثيلية الضروس التي انبرى إليها الحزبان، مطعمة بما سماها رئيس التيار "معايير الحكومة الصحيح" والتي أطاحت العلاقة المتوترة أصلا مع القوات، فما من رئيس الحزب سمير جعجع إلا أن اتخذ في 5 تموز 2018 قرارا جريئا كشف بموجبه النقاب عن مضمون اتفاق معراب، الذي يتناول صراحة تقاسم الطرفين وحلفائهما الحصة الحكومية المسيحية. سجال مسيحي عنيف انتهى بتدخل رئاسي أدى إلى تنازل بعبدا عما اعتبره رئيس الجمهورية عرفا يتيح له نيل موقع نائب رئيس الحكومة لصالح القوات التي دأبت على المطالبة بتمثيل حكومي يتيح ترجمة النتائج التي حققها الحزب في الانتخابات.
وإلى جانب سجاله مع القوات، خاض التيار الوطني الحر اشتباكا حكوميا كلاميا عنيفا، قد يكون الأول من نوعه منذ إرساء مصالحة آب 2001، مع الزعيم الجنبلاطي. ففي وقت طالب الأخير بحصة درزية حكومية "صافية" من موقعه المتقدم على الساحة الشعبية الدرزية، رفع التيار لواء عدالة التمثيل واحترام نتائج الانتخابات للمطالبة بمقعد وزاري لرئيس الحزب الديموقراطي طلال إرسلان، الذي ترك له جنبلاط مقعدا فارغا على لائحته الانتخابية ليؤمن له النصر. عقدة استفحلت طويلا قبل أن يبادر زعيم المختارة إلى اقتناص ما اعتبرها لحظة سياسية مناسبة لابرام صفقة الحل مع العهد الذي كان اتهمه بالفشل. فكان أن أودع جنبلاط وإرسلان رئيس الجمهورية لائحتين بأسماء درزية للتوزير على أن يختار أحدها. وبعد إزالة هذا اللغم، لم تبصر الحكومة النور على الرغم من قبول القوات بالمشاركة بشروط لا ترضيها. ذلك أنها اصطدمت بمطالبة ما يسميه اللقاء التشاوري السني المناوئ للحريري بمقعد وزاري، بتأييد من حزب الله الذي عطل مسار المفاوضات برفض تسليم وزرائه قبل تحقيق هذا المطلب، الذي أجهضت المساعي في شأنه في اللحظات الأخيرة على رغم دخول رجل المهمات الصعبة اللواء عباس ابراهيم على الخط. ما يعني أن الحكومة ستضرب للبنانيين موعدا في العام المقبل، حيث يكمن للبنان تحدي استضافة القمة الاقتصادية العربية بمؤسسات كاملة وفاعلة.
غير أن أحدا لا يشك في أن ما تعرض له المسار الحكومي من سقطات، ليس إلا إحدى نتائج الصراع التحاصصي على ترجمة نتائج الانتخابات النيابية، التي نجح لبنان في تجاوز اختبارها بنجاح في النصف الأول من العام 2018، مقاعد وزارية، غداة معارك ضارية استخدمت فيها "الأسلحة السياسية والكلامية على أنواعها"، خصوصا أن الجميع بدا متهيبا خوض المنازلات الانتخابية على أساس القانون النسبي الذي نجح المجلس السابق في إقراره، مطعّما بتمديد ثالث.
وفي سياق المواجهات الانتخابية تدرج المعركة الأولى التي افتتحت بها سنة 2018. ففي خضم "خلاف المرسومين" على خط بعبدا-عين التينة، فجر تصريح من العيار الثقيل من جانب رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل شعرة معاوية بين الطرفين. وفي جولة انتخابية في عرينه البتروني في 28 كانون الثاني 2017، وصف باسيل رئيس مجلس النواب نبيه بري بـ "البلطجي"، في لحظة سياسية نادرة وثّقتها كاميرا رئيسة قسم محمرش (قضاء البترون) الكتائبي ريمي شديد، في شريط فيديو ما لبث أن غزا مواقع التواصل الاجتماعي، وفجر ردة فعل عنيفة جدا من جانب مناصري أمل، لم يفلح في اخمادها اعتذار من باسيل حرص على تقديمه عبر وسائل الاعلام المقربة من الثنائي الشيعي. ذلك أن مؤيدي حركة أمل ذهبوا في رد فعلهم بعيدا، إلى حد استخدام الشارع وتنفيذ بعض ما يمكن تسميتها استعراضات القوة في مناطق نفوذ التيار الوطني الحر، لا سيما في بعبدا وسن الفيل، حيث المقر العام للتيار. كل ذلك استدعى تدخلا "ابويا" من رئيس الجمهورية الذي بادر إلى الاتصال ببري لوضع حد نهائي للخلاف.
غير أن تدخل عون لـ "فض المشكل" لم يحل دون انسحاب السجال الكلامي العنيف على الاستحقاق النيابي حيث لم يتوان باسيل عن التأكيد مرارا أن شيئا لن يثني التيار الوطني الحر عن خوض المعارك الانتخابية في مناطق الحضور الكبير للرئيس نبيه بري، وهو ما انتهى إلى خسارة التيار البرتقالي أحد المقاعد المارونية في جزين، حيث نسج العونيون أغرب تحالفاتهم الانتخابية ومدوا اليد إلى الجماعة الاسلامية التي لا يلتقون معها على أي مبدأ سياسي. غير أنه من المفيد الاشارة هنا إلى أن المواجهة البرتقالية مع الثنائي الشيعي شملت أيضا الأقنوم الآخر فيه، حزب الله. وهو ما تشهد عليه بقوة دائرة كسروان- جبيل، حيث أعلن باسيل صراحة رفض "فرض" المرشحين على التيار في المناطق التي يسجل فبها حضورا لافتا. فنزل التيار بثقله في عرينه الكسرواني الجبيلي لإنزال الهزيمة، بحسين زعيتر، مرشح حزب الله عن المقعد الشيعي الوحيد في الدائرة، والذي خشي البعض من أن يكون انتصاره مقدمة لتغيير هوية قضاء جبيل المشهود له بالحرص على العيش المشترك. وإذا كان التيار قد بلغ هذا الهدف، فإنه فشل في التحالف مع شريك تفاهم معراب، القوات اللبنانية في جبيل كما في سائر الدوائر، كما في التسبب بخسارة المرشح المدعوم من معراب زياد حواط. غير أن أعنف المعارك الانتخابية المسيحية تبقى تلك التي دارت في قضاء المتن، بين التيار والقوات وحزب الكتائب، باعتبار أن لا يمكن فصلها عن بعض الأحداث الأساسية التي سجلها العام الفائت. وفي هذا السياق، تتبادر إلى الأذهان المواجهة العنيفة بين النائبين سامي الجميل وابراهيم كنعان. ففيما كان الأخير يعتد بنجاح مجلس النواب، من باب عمل لجنة المال والموازنة النيابية، في اقرار موازنة عام 2018، رفع الجميل صوت الاعتراض على المادة 49 من الموازنة التي تجيز للأجانب الذين ينجحون في تملك شقة في لبنان حق الاقامة الدائمة في لبنان، ما رفع لدى رئيس الكتائب المخاوف إزاء توطين محتمل للاجئين الفسطينيين والسوريين في لبنان، ودفعه إلى القفز فوق التبريرات التي قدمها كنعان والتيار الوطني الحر، لتقديم طعن بالموازنة العامة أمام المجلس الدستوري في 24 نيسان 2018، ما أدى إلى تعليق العمل بالمادة 49 في 26 نيسان، قبل أن يصدر المجلس الدستوري قرارا بإبطال المادة 49 من الموازنة نهائيا. معركة كسبها رئيس الكتائب بعد أسبوع واحد على تحقيق الفوز بولاية نيابية ثانية، في 14 أيار، وإن كان الاستحقاق الذي خاضته الصيفي وحيدة (ما خلا دائرة الشمال الثالثة، حيث التقت انتخابيا مع الحليف القواتي التاريخي) اانتهى تقليص عدد أعضاء الكتلة الكتائبية إلى 3 نواب، في مقابل نجاح القوات في تكريس حضورها "المسيحي القوي" بدليل رفع عدد نوابها من 8 إلى 15، بينهم النائب أنطوان حبشي الذي خرج منتصرا من حلبة المعركة في دائرة بعلبك الهرمل تعد عرينا لـ "حزب الله" الذي نقل جميل السيد من صفوف الأجهزة الأمنية والمطلوبين للشهادة أمام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان إلى منصب نائب الأمة، في خيار أثار حفيظة بعض القوى، لا سيما المسيحية منها. أما التيار الوطني الحر، فنجح هو الآخر في رفع عدد نوابه إلى 29، من باب تحالفات وصفها البعض بالغريبة العجيبة، وإن كان بعضها سجل مكاسب انتخابية لافتة. وفي هذا السياق، يبقى الالتقاء الانتخابي مع تيار المستقبل والحزب الديموقراطي اللبناني في الشوف- عاليه. خياران أتاحا للعونيين إيصال رئيس التيار جبران باسيل إلى الندوة البرلمانية، في المرة الثالثة التي يخوض فيها الانتخابات، وتسجيل خروق لافتة في العرين الجنبلاطي حيث حصدوا أربعة نواب ستكون مقاعدهم الوقود الذي سيشعل اشتباك العهد والمختارة في مفاوضات التشكيل.
وفي وقت كان ركيزة العهد يكسب رهان النجاح في الانتخابات النيابية، كان عداد التيار الأزرق يسجل بعض الخسائر المهمة للرئيس سعد الحريري، لا سيما في طرابلس وبيروت، في نتيجة يعتبرها بعض المحللين إنعكاسا مباشرا للنسبية (التي أدخلت الزميلة بولا يعقوبيان إلى مجلس النواب تحت راية المجتمع المدني الذي نجح في تشكيل لوائح انتخابية في عدد من الدوائر)، فيما يعزوها آخرون إلى امتعاض سني من الخيارات السياسية التي ركن إليها الرئيس سعد الحريري في المرحلة الأخيرة، لا سيما منها إبرام التسوية الرئاسية الشهيرة مع العماد ميشال عون.
وفيما كان لبنان بحكامه وزعمائه والطامحين إلى المناصب فيه، غارقا حتى العظم في المستنقع الانتخابي، كان المجتمع الدولي يبذل جهودا لانقاذ بلد الأرز من كبواته الاقتصادية المزمنة، على وقع قنبلة التزايد في أعداد اللاجئين السوريين، مع كل ما يعنيه ذلك من عبء يتكبده لبنان في غياب أي توجه دولي إلى حل الأزمة السورية. فبدفع من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، استضافت كل من روما وباريس وبروكسل مؤتمرات دولية خصصت لدعم الجيش (روما، 15 آذار) والاستثمارات النهوض الاقتصادي (ما عرف بـ مؤتمر سيدر المنعقد في فرنسا في 6 نيسان) وحل قضية اللاجئين السوريين (بروكسل، 25 نيسان). علما أن هذه الخطوات، لا سيما منها المساعدات التي نالها لبنان في سيدر، والمرتبطة بإصلاحات بنوية وضرورية للنهوض بالاقتصاد الوطني- وبينها الموازنة التي أقرت على عجل يفسر المخالفات التي تضمنتها- أثارت حفيظة بعض القوى اللبنانية، على اعتبار أن القروض التي رصدت للبنان ليست إلا أرقاما جديدة سيسجلها عداد الدين العام، الذي ستدفع ثمنه من دون شك الأجيال المقبلة من اللبنانيين.
غير أن معاينة دقيقة للصورة السائدة منذ ما بعد استحقاق أيار تتيح اختصار الوضع اللبناني المحلي بأغنية للفنانة هدى حداد من كلمات العملاق منصور الرحباني: "أنا قلبي على حبيبي وهو قلبو على الحجر". ففي وقت يتطلع فيه المجتمع الدولي إلى مرحلة جديدة من التعاون مع لبنان، ذي السلطة التشريعية الحديثة الولادة، أطلقت مختلف القوى السياسية العنان لحربهم الحكومية المفتوحة على تناتش علني للحصص الوزارية في حكومة يعتبرها العهد حكومته الأولى آملا في أن تعمر حتى الانتخابات النيابية المقبلة. وإذا كان ذلك يعني أن الجميع يجري حسابات بعيدة المدى ويحاول إرساء التوازنات السياسية التي ستحكم المشهد في النصف الثاني من العهد العوني، فإنه من دون أدنى شك لا يسهل المهمة على الرئيس المكلف سعد الحريري الذي اختاره 111 نائبا (بمن فيهم معارضوه) على وقع تحفظ حزب الله للعودة إلى السراي الحكومية، متأبطا تشكيلة أرادها إنعكاسا لـ "الوحدة الوطنية"، وإن كان من المتوقع أن تخلو الحكومة المنتظرة من الكتائبيين والقوميين.
وفي هذا السياق، لا تغيب عن بال أنصار طرفي تفاهم معراب الحرب التمثيلية الضروس التي انبرى إليها الحزبان، مطعمة بما سماها رئيس التيار "معايير الحكومة الصحيح" والتي أطاحت العلاقة المتوترة أصلا مع القوات، فما من رئيس الحزب سمير جعجع إلا أن اتخذ في 5 تموز 2018 قرارا جريئا كشف بموجبه النقاب عن مضمون اتفاق معراب، الذي يتناول صراحة تقاسم الطرفين وحلفائهما الحصة الحكومية المسيحية. سجال مسيحي عنيف انتهى بتدخل رئاسي أدى إلى تنازل بعبدا عما اعتبره رئيس الجمهورية عرفا يتيح له نيل موقع نائب رئيس الحكومة لصالح القوات التي دأبت على المطالبة بتمثيل حكومي يتيح ترجمة النتائج التي حققها الحزب في الانتخابات.
وإلى جانب سجاله مع القوات، خاض التيار الوطني الحر اشتباكا حكوميا كلاميا عنيفا، قد يكون الأول من نوعه منذ إرساء مصالحة آب 2001، مع الزعيم الجنبلاطي. ففي وقت طالب الأخير بحصة درزية حكومية "صافية" من موقعه المتقدم على الساحة الشعبية الدرزية، رفع التيار لواء عدالة التمثيل واحترام نتائج الانتخابات للمطالبة بمقعد وزاري لرئيس الحزب الديموقراطي طلال إرسلان، الذي ترك له جنبلاط مقعدا فارغا على لائحته الانتخابية ليؤمن له النصر. عقدة استفحلت طويلا قبل أن يبادر زعيم المختارة إلى اقتناص ما اعتبرها لحظة سياسية مناسبة لابرام صفقة الحل مع العهد الذي كان اتهمه بالفشل. فكان أن أودع جنبلاط وإرسلان رئيس الجمهورية لائحتين بأسماء درزية للتوزير على أن يختار أحدها. وبعد إزالة هذا اللغم، لم تبصر الحكومة النور على الرغم من قبول القوات بالمشاركة بشروط لا ترضيها. ذلك أنها اصطدمت بمطالبة ما يسميه اللقاء التشاوري السني المناوئ للحريري بمقعد وزاري، بتأييد من حزب الله الذي عطل مسار المفاوضات برفض تسليم وزرائه قبل تحقيق هذا المطلب، الذي أجهضت المساعي في شأنه في اللحظات الأخيرة على رغم دخول رجل المهمات الصعبة اللواء عباس ابراهيم على الخط. ما يعني أن الحكومة ستضرب للبنانيين موعدا في العام المقبل، حيث يكمن للبنان تحدي استضافة القمة الاقتصادية العربية بمؤسسات كاملة وفاعلة.
على أن رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي أحجم على غير عادته عن ابتداع المخارج والحلول، اغتنم فرصة الجمود الحكومي القاتل ليعيد تفعيل مجلس النواب تحت عنوان "تشريع الضرورة"، الذي استفاد منه المجلس الجديد لاقرار بعض القوانين المرتبطة بمسار "سيدر" وأهمها الخطة الخاصة بإدارة النفايات وحل أزمة قروض الاسكان، في 24 و25 أيلول الفائت.
وما بين الانتخابات ومفاوضات التأليف، توالت الفضائح السياسية المدويّة ولعل أبرزها ما عرف بليل المطار الأسود في 6-7 أيلول الفائت، والتي دخل على خط حلها التفتيش المركزي، بعدما أعلنت شركة سيتا المشغلة لأجهزة التفتيش في المطار مسؤوليتها عن العطل الذي ضرب هذا المرفق العام، إضافة إلى مرسوم التجنيس الذي وقعه رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة في 11 أيار 2018، وعارضته الكتائب والقوات والحزب الاشتراكي لاشتماله على أسماء فلسطينيين وسوريين، بما يشكل مخالفة صريحة لمبدأ رفض التوطين. وفيما قذف عون كرة النار إلى اللواء عباس ابراهيم للعمل على الفصل بين مستحقي الجنسية اللبنانية ومن لا يحق لهم بها، أقدمت المختارة ومعراب على تقديم طعن به أمام مجلس شورى الدولة. جرى كل هذا، فيما كانت اسرائيل تراقب عن كثب الحدود مع لبنان وتبني جدارا فاصلا، وتدعي وجود أنفاق حفرها حزب الله في المنطقة الخاضعة للقرار 1701، ما دفعها إلى إطلاق عملية درع الشمال في 4 كانون الأول الجاري. إشارة إلى أن رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو كان إدعى في كلمته أمام الأمم المتحدة في أيلول الفائت أن حزب الله يصنع الصواريخ الدقيقة على مقربة من مطار بيروت. مزاعم حاول وزير الخارجية جبران باسيل دحضها بجولة للسفراء الأجانب قرب المطار نظمها في 1 تشرين الأول.
وبعيدا من كل هذه الأجواء السلبية، وفي خضم حرب تناتش الحصص المسيحية، فضل "المردة" و"القوات" التغريد بعيدا وختم جرح مجزرة إهدن بعد 40 عاما على وقوعها، فشهد الصرح البطريركي في بكركي مصالحة تاريخية بين زعيم المردة ورئيس القوات، في 14 تشرين الثاني 2018. خطوة كانت سبقتها لقاءات بين فرنجية والنائبين نديم وسامي الجميبل، تمهيدا لإعادة المياه إلى مجاريها بين الطرفين.
إشارة إلى أن العام 2018 كان شهد رحيل الأديبة اميلي نصرالله (14 آذار 2018)، وشاعر المقاومة اللبنانية موريس عواد (9 كانون الأول) ، والممثلة الكبيرة نهى الخطيب سعادة (12 كانون الأول 2018)
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك