نفذ الرئيس الاميركي دونالد ترامب وعده الانتخابي وأعلن انسحاب قوات بلاده من سوريا، قرار سبق وتراجع عنه في آذار الماضي ما دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى التشكيك به على رغم ترحيبه، لكن كل المؤشرات تشير الى أن ترامب ماض في الانسحاب ولو على حساب صقور إدارته ووزير دفاعه جيمس ماتيس.
القرار فاجأ حلفاء أميركا وخصومها على حد سواء، فأعرب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتياهو عن خيبة أمله، وفرنسا وبريطانيا الشريكتان الرئيسيتان لواشنطن في التحالف الدولي أكدتا أن "المهمة ضد داعش لم تنته بعد". أما بالنسبة للاكراد الضحية "الاكبر" فشكل القرار لهم "طعنة كبيرة في الظهر" بحيث أصبحوا "لقمة سائغة" أمام تركيا العازمة على خوض معركة شرق الفرات، وبين من يعتبر أن القرار ترجمة لسياسة "أميركا اولا "التي يسعى ترامب جاهدا الى تطبيقها في إطار مسعاه المتواصل لارضاء ناخبيه والحفاظ على منصبه حتى ولو على حساب نفوذ بلاده على الصعيد الدولي، وبين من يرى أن الانسحاب قرار حكيم ومدروس ويجنب واشنطن نزاعات هي في غنى عنها خصوصا وأن "داعش" بدأ بالانحسار، لا بد أن يكون لخروج القوات الاميركية من سوريا تداعيات على ميزان القوى في الشرق الاوسط، الذي بات يميل بقوة لصالح موسكو، فالتوجه الاستراتيجي الجديد لترامب لا يبدو حتى الآن أنه يخدم أيا من حلفائه.
العميد المتقاعد نزار عبد القادر أشار عبر "المركزية" الى أن "الادارة الاميركية ممثلة بوزارتي الدفاع والخارجية، نجحتا في ثني ترامب عن قراره بالانسحاب لأشهر عدة، إلا أن إرادة ترامب عادت وتغلبت على موقف الادارة"، مشيرا الى أن "هذا القرار المفاجئ يرتبط الى حد بعيد بتسوية الخلافات القائمة بين أميركا وتركيا حول شمال سوريا والاكراد".
وأضاف "ترامب لا يريد أن تذهب أنقرة بعيدا في تعاونها وتحالفها مع روسيا، لذلك كان لا بد أن يقوم بخطوة دراماتيكية كقرار الانسحاب، تجنبا للاصطدام الاميركي-التركي الذي يمكن أن يحصل في حال أقدم أردوغان على عملية عسكرية في الشمال السوري من دون التنسيق مع أميركا".
وتابع "الاولوية الاستراتيجية الاميركية تقضي بالمحافظة على الحلف مع تركيا على حساب الاكراد، ونحن نشهد اليوم عودة الدفء الى العلاقات الاميركية-التركية تجلى أخيرا في قرار واشنطن بيع تركيا بطاريات وصواريخ باتريوت".
وقال إن "تحقيق الانتصار على "داعش" ليس سوى غطاء استعمله ترامب ليبرر انسحابه، لكن الوقائع تشير الى أن "داعش" لا يزال متواجدا في سوريا من خلال ما يزيد عن 15000 مقاتل منتشر بين الشمال والصحراء الواقعة بين العراق وسوريا، من هنا قوله اننا انتصرنا على الارهاب هو أسوأ الحجج لا بل أضعفها، فكل مراكز الدراسات الاميركية والدول الاوروبية المعنية بالملف السوري أكدت أن الحرب على الارهاب لم تنته".
وحول انعكاس الانسحاب على تصدي أميركا للوجود الايراني في سوريا قال "هناك حرب معلنة ضد إيران من قبل اسرائيل، وترامب سيسلم المهمة الى تل أبيب ليكتفي بدور تقني لبلاده لا يستدعي وجود ألفي عسكري".
وفي شأن المصالح الاميركية في الثروات النفطية الموجودة شرقي الفرات، قال "إطلاق يد تركيا للتعامل امنيا مع الاكراد في الشمال السوري، لن يكون من دون ثمن، فأميركا ستضمن عدم استفادة إيران من ثروات المنطقة، بحيث تقوم تركيا بدور الوكيل للمحافظة على المصالح الاميركية على الصعيدين الاقتصادي والسياسي". واستبعد أن يكون "هناك اتفاق غير معلن روسي-أميركي حول سوريا، فهناك مناطق أهم من سوريا للطرفين كأوكرانيا والقرم، حيث النزاع محتدم بينهما".
واعتبر أن "الانسحاب سيصبّ بشكل أولي لمصلحة الوجود الروسي والايراني في سوريا، ولكن لا يمكن جزم ما يمكن ان يحصل في المستقبل".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك