تركزت المواقف الرسمية في عطلة عيد الميلاد على محاولة تطويق مفاعيل الكلام الذي اطلقه وزير الدفاع فايز غصن عن وجود عناصر من "القاعدة" يتنقلون عبر الحدود، والذي استفادت في توظيفه السلطات في سوريا على نحو فوري في التفجيرين اللذين وقعا في العاصمة السورية أواخر الاسبوع الماضي. فتولى رئيس الجمهورية ميشال سليمان شخصياً بعد زيارته بكركي مهنئا بالاعياد رفض تبني وجود ارهاب او ايواء عناصر ارهابية في البلدات اللبنانية، وكذلك فعل وزير الداخلية، في حين لقي موقف وزير الدفاع فايز غصن استهجاناً كلياً من افرقاء آخرين في الحكومة كموقف النائب وليد جنبلاط، اضافة الى استهجان المعارضة، قبل ان يخرج غصن بتبريرات مرتبكة، باعتبار ان المعلومات، اذا توافرت له، يفترض ان تستنفر الدولة واجهزتها لا ان تؤدي الى محاولة تطويق مفاعيل كلامه ومنع هذه المفاعيل على المستوى الطائفي والمذهبي. وكان لافتا بالنسبة الى كثر التعليق الذي قدمه "حزب الله" على التفجيرين في دمشق، والذي وجه فيهما اصابع الاتهام الى الولايات المتحدة مبتعداً عن تبني وجهة نظر النظام السوري في هذا الاطار. وبدت هذه النقطة مهمة بالنسبة الى مراقبين كثر على رغم امكان ان تحمل تفسيرات كثيرة. كما كان لافتاً عدم موافقة لبنان على المشاركة في بعثة المراقبين العرب على الاراضي السورية .
لذا بدا أن النقطة الاساسية في هذا المشهد السياسي الداخلي تبرز بعدين أساسيين: الاول أبعد من وجود هذه التناقضات بين افرقاء الحكومة الواحدة مجدداً في موضوع يتصل بأمن البلد وانعكاسات ما يجري في المنطقة على لبنان وعلى انقاض انقسام حكومي يهدّد المقومات الاساسية للوضع الاقتصادي في لبنان بعد مهزلة طويلة مستمرة من اقرار زيادة الاجور وردها من مجلس شورى الدولة. فما يجري يعبّر عن ارتباك لم يفارق الحكومة في الموضوع السوري منذ انطلاقه وفق المسار الذي شهدته اجتماعات وزراء الخارجية العرب وفي سائر المواضيع المتصلة بالتطورات الدامية في سوريا. وهذا الارباك يراه او يبرره كثر على انه طبيعي في ظل الاهتزاز الذي يحدثه التحول السوري القائم والمتواصل، على رغم محاولة مواجهته بالعنف الدموي المتواصل باعتبار ان الانعكاسات والمفاعيل متوقعة على لبنان أكثر من سواه من الدول المجاورة لسوريا . فالموضوع السوري نفسه والتحدي المصيري الذي يواجهه النظام يربك افرقاء الحكومة اللبنانية.
والبعد الآخر يتصل بتساؤلات جدية عما اذا كانت هذه المواقف يمكن أن تساهم ليس فقط في تخفيف تداعيات التطورات السورية على لبنان، بل في الاتجاه الى تحصين الوضع اللبناني عبر افساح المجال أمام تسوية سياسية جديدة بين الافرقاء اللبنانيين، على قاعدة ان التوقيت الراهن قد يكون الأكثر ملاءمة لذلك، إذ إن هذه التسوية حتمية، وقد يكون بعض التوازن السياسي الحاصل في ظل مجموعة اعتبارات ومعطيات اقليمية خارجة عن القدرة اللبنانية، مساعداً في هذا الاطار، وهذا على الأقل ما يعتقده مراقبون كثر.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك