اعتاد اللبنانيّون على أن تتحكّم الأحرف بمصيرهم. من "السين - سين" التي طبعت الزمن اللبناني لسنوات، يعتقد البعض أنّ "الحكم" انتقل الى الـ "الألف - سين"، أي إيران والسعوديّة. ربما يغفل هؤلاء عن أنّ الحكم الفعلي يعود الى "الحاء حاء"!
مشهدان طبعا يوم اللبنانيّين أمس. عراك ساحة النجمة بين نوّابٍ ينتمون الى تيّار المستقبل والتيّار الوطني الحر، وحادث نهر الموت الذي حصد أربع ضحايا.
لم نكن نحتاج الى رؤية ما فعله "نوّابنا" أمس في لجنة الأشغال والطاقة النيابيّة، من عراك وتبادل شتائم واتهامات بالفساد، لنتأكّد بأنّ هذه الطبقة السياسيّة تستأهل كلّ كلمة مشينة أطلقت بحقّها في التظاهرات التي شهدتها مناطق لبنانيّة عدّة في الأسابيع الأخيرة. إنّه مشهد معيب، مقرف، يعرّي سياسيّي لبنان الذين لا يحميهم سوى التبعيّة العمياء من قبل بعض جمهورهم الذي يستحقّ، هو الآخر، ما يرتكبه بحقّه هؤلاء السياسيّون الذين انتخبهم ويصرّ على إعادة انتخابهم متى تكرّموا عليه بوقف التمديد لأنفسهم على مقاعد يمكثون عليها منذ سنوات، يتقاضون رواتب من دون إنتاج وتشريع ولا يرتدع بعضهم، "فوق الدكّة"، عن السرقة واستباحة المال العام.
نحن هنا أمام "حراميّة"، بكلّ ما للكلمة من معنى. سياسيّون يسرقون الخزينة ويسرقون حاضرنا وأحلامنا، ثمّ يحاضرون في العفّة، على اختلاف تلاوينهم السياسيّة والمذهبيّة. سياسيّون يقتلون ما تبقّى لنا من أملٍ في هذا الوطن الذي شوّهوه وجعلوا منه مكبّاً كبيراً لنفاياتهم.
أما ما حصل يوم أمس في نهر الموت، حيث اجتاح صهريجٌ للمياه عدداً من السيّارات ما أدّى الى سقوط أربع ضحايا، فيأتي ضمن مسلسل الحوادث التي تشهدها شوارعنا والذي لم يضع تطبيق قانون السير خاتمةً له. أشلاء على الطريق وفي مجرى النهر الجاف. رأسٌ مقطوع يصرخ أحد الشبّان "وين جسمو هيدا"، وأشلاء تتوزّع في المكان استمرّ البحث عنها حتى ساعات الليل.
ما حصل يوم أمس لميشال يعقوب، الشاب الوحيد في عائلته، يمكن أن يحصل لأيٍّ منّا، اليوم أو غداً أو بعده، طالما هناك "حيوانات"، بكلّ ما للكلمة من معنى غير بشريّ، يقودون سيّارات وشاحنات ودراجات ناريّة، بسرعة جنونيّة ومن دون التزام بالقوانين و، خصوصاً، بالأخلاق.
وبين الـ "حاء" العائدة الى "حراميّة" هذا البلد من السياسيّين، والـ "حاء" العائدة الى "حيوانات" قيادة الآليات على الطرقات، يبدو مصير اللبنانيّين معلّقاً الى أجلٍ غير بعيد، ما داموا صامتين راضخين لهذا المصير. ولعلّهم في ذلك يستحقّون "حاء" ثالثة، نترك للقرّاء اكتشافها...
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك