عاد الرئيس تمام سلام متشائماً من نيويورك، وقال للذين التقوه: العالم لا يسأل عنّا. لا يقيمون لنا وزناً على الخريطة. وفوق ذلك، يريدون إغراقنا بالنازحين، من دون أي مساعدة. وفيما نحن عاجزون، يطلبون منّا محاربة الهجرة غير الشرعية، أي أن ندافع عنهم... فهل المقصود تهجيرنا اقتصادياً؟
ما يمكن أن يقوله الرئيس سلام ومسؤولون آخرون، ولكنهم يحاذرون قوله، هو :الإفلاس يهدِّد لبنان جدياً. ويؤكد ذلك الانطباع السائد في أوساط المطّلعين على الواقع المالي والإقتصادي، وأولئك الذين يتواصلون مع المصارف. فهؤلاء يبدون اليوم أكثر تشاؤماً من أي وقت مضى.
ويقولون: نعتقد أن ما لم يظهر بعد على الصعيد المالي سيكون أشدَّ خطراً. فالذين اعتادوا تقديم المساعدة إلى لبنان يستنكفون اليوم. وأمّا تحويلات اللبنانيين من الخارج فهبطت الى النصف، ولا سيما تلك الوافدة من دول الخليج العربي، لأنّ المصارف الخليجية تضغط للحدّ من التسهيلات الفردية والمؤسساتية.
فالسعودية لها خصوصياتها المعروفة في هذه المرحلة إقتصادياً وسياسياً. وحتى إيران قلَّصت الدفع الى حلفائها حتى النصف. ومؤسسات "حزب الله" تحاول تعويض النقص عن طريق السيطرة على الاقتصاد المحلي.
ويسجِّل الاقتصاديون بالوقائع والأرقام ما يقوم به "الحزب" على هذا الصعيد، سواء من خلال استثماره للموارد في العديد من المرافق كالمرافئ والمطار والوزارات والإدارات، أو من خلال الإفادة من فلتان المعابر والحدود والفوضى الحاصلة على مستوى الصناعات اللبنانية. ويعتقد البعض أنّ رغبة وزارة الاقتصاد في الكشف قريباً عن أكبر عملية تزوير للصناعات اللبنانية يندرج في هذا الإطار.
فثمة اقتصاد موازٍ يجري تأسيسه في لبنان. وهناك اقتناع بأنّ غالبية شبكات التهريب مرتبطة بقوى سياسية داخلية وإقليمية. ويتحدث المتابعون عن محاولة لضرب غرفة التجارة والصناعة في بيروت، بسبب محاولتها وقف تزوير شهادات المنشأ، وتنسيقها مع وزارة الاقتصاد في مواجهة التزوير.
ويقول خبراء إنّ النصف الاول من العام 2016 سيكون حاسماً على الصعيد المالي، وإنّ الدولة مُجبرة على القيام سريعاً بخطوات مؤلمة لتجنّب الانهيار. لكنّ التنافر السياسي والفوضى على مستوى إدارة الشأن العام لا يوحيان بإمكان التوصّل إلى مخرج.
ويخشى الخبراء أن يتجلّى السقوط في انهيارات اقتصادية، ترافقها أزمات اجتماعية يجري تدبيرها في شكل سافر، ومنها مثلاً أزمات النفايات والكهرباء وسلسلة الرتب والرواتب وسواها.
ولمواجهة الانهيار، سيعلن حاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة عن جملة من الحِزَم التحفيزية لتعويم المصارف، وتالياً المؤسسات الاقتصادية الضعيفة، مخافة صدور قرار بإعادة التصنيف الائتماني للدولة اللبنانية.
ويشرح خبراء آليّات السقوط المحتمل كالآتي: تتمّ اليوم تغطية العجز في الموازنة عن طريق الاستدانة من الأسواق. والمموِّل الرئيسي للسندات هو المصارف اللبنانية. وعندما يهبط تصنيف الدولة (نقاط تسليفها)، كجهة مستدينة، الى مستوى عالي الخطورة، وتتحوَّل نِسَب مَحافظ الديْن لدى المصارف، لهذه الفئة المستدينة، إلى أكثر من 60 في المئة، كما هي حال المصارف اللبنانية مع الدولة، تتراجع التصنيفات الائتمانية للمصارف المَدينة، وتصبح في دائرة الخطر.
ويثير هذا التراجع المخاوف من تَوقّف المؤسسات المالية الدولية عن التعامل مع الدولة اللبنانية، في مجالات كثيرة، ومنها الاعتمادات لأجَل، أو التحويلات التي لن يتم دفعها آنذاك، في الخارج، إلّا بعد تحويل القيمة نقداً الى المصارف المتعاملة في الخارج.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك