خصّ الخبير الدستوري النائب السابق الدكتور حسن الرفاعي صحيفة "النهار" بدراسة وضعها عن مسألة تمويل المحكمة الخاصة بلبنان والقرار الذي اتخذه رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي في شأنها، خالصاً عبرها الى انه "كان في امكان رئيس مجلس الوزراء تجنيب نفسه ورئيس الجمهورية تحمل مسؤولية الاخلال بالواجبات وخرق الدستور".
وهنا نص دراسة الرفاعي:
"شغلت قضية تمويل المحكمة الخاصة بلبنان الاوساط السياسية والقانونية والمجتمع اللبناني.
ازاء هذا الواقع رأينا من الخير محاولة دراسة الموضوع في ضوء النصوص الدستورية والقانونية، واستنادا الى ما استقر عليه الفقه والاجتهاد والاعراف البرلمانية في الدول ذات الانظمة الديموقراطية.
بناء على ذلك، نورد هذه العجالة:
اولا – في المفهوم القانوني لمستحقات المحكمة:
انشئت المحكمة الخاصة بلبنان بقرار صادر عن مجلس الامن وفقا للفصل السابع. وتنفيذاً لمقتضياته تم توقيع بروتوكول بين الامانة العامة للامم المتحدة والدولة اللبنانية.
قضت احكام القرار والبروتوكول في ما قضت بوجوب أن تقوم الدولة اللبنانية بدفع ما نسبته 49% من نفقات المحكمة بشروط ومهل محددة.
يُستنتج من ذلك ان المستحقات مفروضة على الدولة اللبنانية وملزِمة لها، مما يعني انه ليس في امكان اي من اللبنانيين، وفي طليعتهم المسؤولون عن التنفيذ، عنيت رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء، ان يقبل او يرفض التزام الدفع.
وبما انه اصبح من الواضح والثابت ان النكول عن الدفع سيُلحق بلبنان اضراراً معنوية ومادية جسيمة، لا طاقة له على تحملها، فالدولة اللبنانية، والحالة هذه مخيرة بين امرين:
اما ان تقبل الدفع او ان ترفضه واختيار الرفض يؤدي الى الاساءة للمصلحة العليا للدولة ويعتبر مخلاً بواجباته كل من يرفض الموافقة على الدفع، ويتعرض لتطبيق احكام المادتين 60 و70 من الدستور اللبناني.
ثانيا – في تصرف رئيس مجلس الوزراء:
بنى رئيس مجلس الوزراء ما قام به على اعتبار ان هيئة الاغاثة ملحقة برئاسة الوزارة، وبالتالي، ان من صلاحيته التصرف بمخصصاتها.
فبالرجوع الى نص القرار الرقم 1/35 تاريخ 1977/3/18 المعدل في القرار الرقم 30/93 تاريخ 93/8/2، نرى انه قضى بتأليف الهيئة المذكورة، وحدد صلاحياتها (ولا مجال هنا للتعرض الى عدم دستورية القرار المذكور وعدم قانونيته).
ولمن يخطر بباله ان يبرر صدور القرار عن رئيس مجلس الوزراء منفرداً بسبب الظروف التي كانت سائدة في سنة 76، نقول له ان تبريره هذا هو "فذلكة مبتذلة"، والتعبير للرئيس الدكتور سليم الحص يصف به كل تعليل لا يرضيه.
اذ ان هذه الهيئة تشكَّل في قانون، ومن باب التساهل يمكن القبول بتشكيلها بمرسوم يصدر في مجلس الوزراء، ومجلس الوزراء كان قائما وموجوداً في حينه. ولا يحق له تفويض اي من الصلاحيات التي اناطها به الدستور.
فمهما يكن من أمر هذا القرار من الناحية القانونية، فانه وُجد وأقر بمرسوم اشتراعي، ثم عُدل وعُمل بموجبه، وما زال يعمل به حتى اليوم وهو يقضي:
أ – ان الهيئة مؤلفة من كل من رئيس مجلس الوزراء رئيسا، ونائب رئيس مجلس الوزراء نائبا للرئيس وثمانية وزراء (مع الاشارة الى ان ليس في الدستور وظيفة اسمها نائب رئيس مجلس الوزراء).
ب – يحدد القرار أوجه صرف مخصصات الهيئة، ويحصرها باعمال الاغاثة دون سواها.
بناء على ما ذُكر، يتأكد ان الهيئة مرتبطة باعضائها مجتمعين، وليست تابعة لرئاسة الوزراء. انها هيئة هجينة، وصلاحية صرف الاموال المخصصة لها تعود حصراً لاعضائها مجتمعين.
ومن المفيد في هذا الصدد، ان نذكِّر بما قام به رئيس مجلس الوزراء لتوفير المال الكافي لدفع مستحقات المحكمة، فبعد ان وجد رئيس مجلس الوزراء ان موجودات صندوق الهيئة لا تكفي، عمد الى الطلب الى حاكم مصرف لبنان بأن يقرض الهيئة المبلغ المطلوب. رفض الحاكم تلبية الطلب، لأن الهيئة ليست شخصا معنويا مسموحا له بالاقتراض، ولأن الاقتراض أمر محصور بالدولة.
امام اصرار رئيس مجلس الوزراء، رضخ الحاكم، واعطى الهيئة سلفة بقيمة المال المطلوب... ان تصرفات رئيس مجلس الوزراء هذه، تعتبر قانوناً قراراً صادراً عن غير ذي صلاحية، وبالتالي باطل بطلانا مطلقاً، ويؤدي الى اعتباره inexistant "منعدم الوجود"
1 – انه لا بد من اعتماد احكام المادة 85 من الدستور التي هي وحدها الطريق التي لا بد من سلوكها لتأمين الاعتماد المطلوب.
2 – ان تصرف رئيس مجلس الوزراء المتسرع حمل رئيس الجمهورية على السكوت عن مخالفة الدستور، وهو الساهر على احترامه، خرقاً للدستور.
ثالثا – في تطبيق احكام المادة 85 من الدستور:
من احكام هذه المادة ان يتخذ رئيس الجمهورية مرسوماً بفتح اعتمادات استثنائية... وفي حالتنا الحاضرة يعرض رئيس الجمهورية مشروع المرسوم على مجلس الوزراء؛ فاذا تمت الموافقة عليه يصدره وينفَّذ، وينتهي الامر.
اما اذا لم يحظ مشروع المرسوم بموافقة الاكثرية المطلقة من مجلس الوزراء، يعفى رئيس الجمهورية من التزام احكام الدستور في غاية حماية مصلحة الدولة العليا "Raison d'Etat"، ونذكر بقاعدتين فقهيتين:
"A l'impossible nul n'est tenu" "الضرورات تبيح المحظورات".
ويصدر الرئيس مرسوما بتوقيع رئيس مجلس الوزراء لفتح اعتماد بالمبلغ المطلوب، ثم يبادر الى توجيه رسالة الى مجلس النواب شارحاً ما اوجب عليه اتخاذ التدبير الذي اعتمده تاركاً له النظر في امر الوزراء الذين اخلّوا بواجباتهم...".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك