يمكن، بسهولة، أن ننظر بعين التشكيك الى المشهد الذي برز أمس بين "رباعي المقدّمة" لدى المسيحيّين. لم يصل الأربعة الى موقفٍ واحد ولا الى رأيٍ واحد ونظرة واحدة، وهو ليس مطلوباً أصلاً. إلا أنّ الحوار أصبح ممكناً بينهم، وبات بإمكان نائبٍ يدعى ابراهيم كنعان أن يجول على سليمان فرنجيّة وسمير جعجع وسامي الجميّل، ثمّ يعود الى الرابية لإفراغ ما في جعبته أمام ميشال عون. إنّه مشهد نتابعه ببساطة على الشاشة مستلقين على الكنبة أمام مكيّف الهواء، متناسين ما وراءه من مخلّفات وتراكمات وصراعات، بتنا نملك، على الأقل، أملاً بأنّها ليست أبديّة.
يُفترض أن ينطلق في الأسبوع المقبل تنفيذ استطلاعٍ للرأي يشمل المسيحيّين وحدهم في مختلف الأقضية اللبنانيّة، على عيّنة ستتجاوز الخمسة آلاف شخص على أقلّ تقدير. بات شبه محسوم أنّ الاستطلاع ستنفّذه شركتان، على الأقل، بعد سقوط خيار أحاديّة الشركة بفعل رفض رئيس تيّار المردة النائب سليمان فرنجيّة وتشكيكه بشفافيّة الخيار، وهو هاجسٌ أبدى النائب ابراهيم كنعان تفهّمه له، لا بل هو ذهب بعيداً في طمأنة الحليف الزغرتاوي الذي طرح سلسلة هواجس "مبرّرة"، وفق مصدر في التيّار الوطني الحر.
أما النائب سامي الجميّل فما بدّل في موقفه المعلن من مبادرة عون "الاستطلاعيّة". لا يريد الرئيس الجديد لـ "الكتائب" شركةً ولا اثنتين ولا خمس، بل هو يرفض المبدأ بحدّ ذاته، متسلّحاً علناً باللجوء الى الدستور، ومبدياً الخشية، في غير العلن، من "حرب إلغاءٍ" جديدة يخوضها بطلا الحرب القديمة، ولكن هذه المرّة في خندقٍ واحد، جمعتهما المصالح وبعض الأهداف المشتركة، وفي طليعتها بالتأكيد الإطاحة بأمين الجميّل من لائحة المرشّحين.
أما الخصم الذي شكّل، حتى الأمس القريب، النقيض السياسي للتيّار الوطني الحر، فكان في الأمس الأقرب إليه في الموقف، حتى من حليفه الشمالي. يدرك سمير جعجع بأنّ نتيجة الاستطلاع ستحصر المنافسة بينه وبين عون، ويرجّح ألا يكون الفارق كبيراً بينهما. علماً بأنّ جعجع سيكون منتصراً في الحالتين، فالنتيجة ستكرّس انقسام المسيحيّين بين الرجلين، بينما نسبة باقي المرشّحين، وخصوصاً من فريق 14 آذار، ستكون متواضعة جدّاً بالمقارنة. كما أنّ النتيجة ستحرج تيّار المستقبل المؤيّد، أخلاقيّاً لجعجع، بينما تميل غالبيّة أعضائه الى مرشّحين آخرين، وهو ما لم يتردّد في الكشف عنه أحد أبرز أركان "المستقبل" أمام البطريرك الماروني.
سيكون على المسيحيّين أن يختاروا هذه المرّة مرشّحَين تنحصر بهما معركة الرئاسة، عبر استطلاعٍ للرأي يتألف من سؤالٍ وحيد: من هو مرشّحك الى رئاسة الجمهوريّة؟ ربما يجد كثيرون في الخطوة مشهداً فولكلوريّاً لن يقدّم أيّ دفعٍ الى الأمام للاستحقاق الرئاسي، ما دام القرار في ملء الشغور بالرئيس المناسب ليس لبنانيّاً. إلا أنّ ذلك لم يمنع ابراهيم كنعان من العودة الى منزله مساء أمس مزهوّاً بجولته، مكتفياً بتأمل النصف الملآن من كوب نتائجها، لينام مرتاح البال ويحلم بانتخاب رئيسٍ تتوفّر لديه الشرعيّة الشعبيّة، قبل أن تُضاف إليها الشرعيّة الدستوريّة.
حبّذا لو نستطيع أن نطرد تلك الكوابيس، لنشاركه الحلم نفسه...
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك