الارجح انها مجرد عاصفة رملية يثيرها الاميركيون والاسرائيليون، من اجل تغطية الانسحاب العسكري الاميركي الاخير من العراق قبل حلول نهاية السنة الحالية، والذي يراد له ان يتم باقل قدر ممكن من التهديد الامني، واكبر قدر ممكن من الانضباط السياسي، من جانب مختلف الدول المعنية بالشأن العراقي، وعلى رأسها ايران.
التهديد الاسرائيلي بالحرب على ايران، الذي تحول في الايام القليلة الماضية الى هوس جماعي، تخطى كل ما هو مألوف وشائع عن لجوء حكومة ما الى تحضير الجمهور للخروج الى القتال. النقاش العلني حول الحرب التي تضرب لها مواعيد محددة، يهدف طبعا الى طرح السؤال على الرأي العام في اسرائيل حول ما اذا كان راغبا او مستعدا لمغامرة عسكرية جديدة بعيدة المدى، لكنه اساسا يفرض علامة استفهام حول ما اذا ذلك الجمهور يستخدم كأداة من ادوات الحرب النفسية.
العلنية تسحب من خيار الحرب نصف وظيفتها وربما ايضا جدواها. هي لا تحرم الاسرائيليين فقط من عنصر المفاجأة، لكنها تدعوهم الى التعبير عن اعتراضاتهم على ذلك الخيار الذي تميل اليه حكومتهم الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو، لكنها لا تزال مترددة او خائفة.. والا فانها كانت قد شنت الحرب من دون ان تسأل الجمهور رأيه، ومن دون ان تقاسمه المسؤولية سلفا عن هذا التوجه نحو ضرب ايران.
لم يتضح حتى الان ما اذا كان النقاش قد فتح في تل ابيب بقرار اسرائيلي واع، ام ان اشارة الانطلاق جاءت من واشنطن. الثابت ان صداه الاميركي مسموع جيدا، وهو يتردد في عدد من مراكز الابحاث ووسائل الاعلام الاميركية، ويتطور بسرعة منذ ان اعلن الرئيس الاميركي باراك اوباما الشهر الماضي ان القوات الاميركية ستنسحب نهائيا من العراق بحلول نهاية العام، ردا على تردد الحكومة العراقية في توقيع اتفاق على ابقاء آلاف من الجنود الاميركيين ومنحهم الحصانة القانونية.
وفي هذا السياق ايضا جاء تقرير صحيفة «نيويورك تايمز» الاميركية الاسبوع الماضي عن اعادة توزيع القوات الاميركية المقاتلة في مختلف دول الخليج العربي وفي مواقع مقابلة لايران وجاهزة لضرب اهداف ايرانية او لمنع قوات ايرانية من التقدم نحو سد الفراغ الاميركي المرتقب في العراق.. وهي عملية بدأت بالفعل، ويشارك فيها كما يبدو الجيش الاسرائيلي الذي وضع في حالة استعداد لاحتمال الحرب على ايران، ما استدعى ايضا فتح ذلك النقاش العلني العام في اسرائيل.
العاصفة تزداد قوة يوما بعد يوم، وهي مرشحة لان تبلغ ذروتها مع خروج آخر جندي اميركي من العراق، مهد له الاميركيون بتوجيه تحذير الى طهران من مهاجمة القوات المنسحبة واستثمار مثل هذه الهجمات للقول ان ايران هي التي انهت الاحتلال الاميركي للعراق.. لكنهم ما زالوا قلقين من سلوك ايران في اليوم التالي لانسحابهم ومما اذا كان الايرانيون سينظمون احتفالات بالنصر ويعلنون انهم ورثوا العراق واخضعوه لنفوذهم التام.
هي حتى الان عاصفة رملية مركزها العراق، ومصدرها الصراع على وراثته. وهو صراع يحتمل اندلاع الحرب نتيجة الخطأ او الصدفة او سوء التقدير، من طرف غير الاميركيين والايرانيين.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك