الشاهد على تحولات الشرق الاوسط قد يستطيع بالرغم من عدم وضوح الرؤيا التي تحوط حراك الثورات العربية ان يستنتج على الاقل بعض النقاط التي بدأ يفرزها الواقع الجديد. فالاحداث تلك قد ادت الى بروز ثلاث دول كلاعبين اساسيين وفاعلين على الساحة العربية، اولهما تركيا بجيشها واقتصادها ونظامها الديمقراطي وعلاقاتها الدولية، والتي تسعى من خلال نشاطها واهتمامها بخاصرتها الاسلامية ان تكون العنوان الجديد لاستقرار المنطقة برضى طبعا الولايات المتحدة والغرب. اضف الى تركيا، بروز المملكة العربية السعودية وقطر كلاعبين اساسيين في الشرق الاوسط، نظرا لامكانيات البلدين الاقتصادية الهائلة، في وقت يمر العالم عموما، والغرب خصوصا بازمة مالية خانقة. كما ان المملكة وقطر استطاعا حتى اليوم ابعاد شبح الثورات العربية عن مجتمعاتهما، وفي كثير من الاحيان اعطياها زخما ودعما من خلال الامكانات الاعلامية الكبيرة التي يمتلكانها.
في مقابل تقدم تلك البلدان الثلاثة نلاحظ انه هناك تراجع لدور ايران ونفوذها خاصة وان سقوط نظام الاسد السوري، أحد اعمدة استراتيجيتها الخارجية في العالم العربي، بات مسألة وقت. فمع استمرار الانتفاضة في زخمها بالرغم من الوحشية التي تقابل بها، ومع الاعلان عن نشوء المجلس الوطني المعارض، ومع فرض حكومة انقرة عقوبات على سوريا يبدو ان الايرانيين باتوا على قاب قوسين من خسارة الهلال الشيعي التي طالما جهدوا في بنائه.
تراجع ايران هذا هو تراجع ايضا لادواتها في المنطقة، بدءا من حزب الله وصولا الى حماس المحاصرين، الاول بالمحكمة الدولية وانهيار منظومة الممانعة، والثاني باحتمال انكفاء ايران عن المنطقة من جهة وبمطالبة الرئيس ابو مازن دول العالم الاعتراف باستقلال فلسطين من جهة اخرى. رفض حماس لخطاب ابو مازن في الامم المتحدة احرجتها لما لاقى من قبول وتأييد لدى كامل اطياف الشعب الفلسطيني.
من نتائج التحولات الشرق اوسطية ايضا التي سنشهد لها، صعود اكيد لبعض الاحزاب التي قد يكون تاثيرها عابر للحدود. اهمها يبقى حزب الاخوان المسلمين، خاصة في مصر وسوريا، حيث لهم باع طويل في السياسة والتنظيم. من المتوقع ان يكون للاخوان دور في تشكيل الانظمة الجديدة بالمنطقة ولو بدراجات متفاوتة.
وهناك ايضا صعود لحزب العدالة والتنمية الذي يرأسه رجب طيب اردوغان، نظرا لمكانة وشعبية الاخير المتعاظمة في البلاد العربية، ولكونه مصدر الهام للحركات الاسلامية التي تريد ان تستنسخ تجربة حزب العدالة والتنمية مع الديمقراطية.
اما على الصعيد اللبناني ونظرا لعلاقاته الممتازة مع المملكة السعودية ودول الخليج العربي وتركيا يمكن ان يكون لسعد الحريري وتيار المستقبل دورا كبيرا واكثر تأثيرا في لبنان كما في الجوار اذا ما عرف كيف يستثمر الحريري الابن صورته الشابة ونهجه المعتدل والعصري الذي يحاكي تطلعات شباب العرب في الديمقراطية والحرية.
اية استراتيجية سياسية لا تاخذ بعين الاعتبار تلك المتغيرات، وتحاول معاداة تلك القوى البارزة دولا واحزابا، من خلال اقامة احلاف اقلوية لن تدوم، او من خلال استجداء حماية من هنا وضمانات من هناك ستكون بمثابة انتحار يتحمل مسؤوليته من يظن انه يستطيع ان يقف بوجه مجرى تاريخي كبير بدأ يتحقق. ومن له اذنان في بكركي او الرابية ليسمع، فليسمع.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك