كتبت صحيفة “اللواء”: يستمر الجفاء في العلاقة التحالفية بين «حزب الله» و«التيار العوني» منذ الخلاف الناشب بينهما حول مسألة التمديد للمجلس النيابي التي حسمت مؤخراً لصالح التمديد الذي يعارضه زعيم التيار العوني النائب ميشال عون بشراسة على اعتبار انه فوّت على تياره فرصة كبيرة لحصد أكبر عدد من المقاعد النيابية استناداً لأكثر من إحصاء أجراه لحسابه بهذا الخصوص، وكان بالإمكان حصر الخلاف الحاصل بينهما لو اقتصر على هذه المسألة، إلا أن ما زاد الطين بلة شمول هذا الخلاف مسألة جديدة مهمة تتعلق بالتمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي، وهو ما يعارضه بشراسة أيضاً النائب عون الذي كان منذ اشهر عديدة يطمح لحجز هذا الموقع لصهره العميد شامل روكز، لما له من تأثير امني وسياسي مؤثر في مسيرة التيار الوطني العامة على الساحة السياسية والشعبية على حدّ سواء، والأهم من كل ذلك تأثيره في إزالة كل ما يعترض الطموح الأساسي الذي وضعه نصب عينيه زعيم التيار الوطني لتتويج مسيرته العسكرية والسياسية للوصول إلى سدّة الرئاسة الأولى.
وما زال هذا الخلاف يتفاعل بين الشريكين على خلفية هاتين المسألتين، ولكن من دون الوصول إلى الانفصال والقطيعة بينهما حتى الساعة، بالرغم من الانتقادات التي يوجهها تارة النائب عون بخجل تجاه «حزب الله» لمشاركته في القتال إلى جانب نظام بشار الأسد في الداخل السوري، ثم لا يلبث صهره الوزير جبران باسيل ان يلطّف هذا الموقف بفعل رسائل سياسية تولى نقلها النائب سليمان فرنجية بشكل غير مباشر ضده، وتارة أخرى يكثر زعيم التيار العوني من انتقاداته لممارسات الحزب في الداخل أمام زوّار معروفين بصلاتهم مع حلفاء الثامن من آذار كي ينقلوا هذه المواقف للحزب عله يبدّل من تعاطيه المجحف بحق التيار الوطني ويعود الى دعمه ومساندته في ما يطرحه من مسائل وقضايا مهمة تخصه، وأخيراً لم يخف زعيم التيار الوطني كل ما يجول في خاطره من استياء تجاه حليفه المتبقي، فحمّله مسؤولية تعطيل قيام الدولة ولو بشكل غير مباشر ولكنه سمّى هؤلاء الحلفاء بصراحة ومن يريد ان يفهم فليفهم ما قاله عون بهذا الخصوص.
ولكن لماذا وصلت الأمور بين «التيار العوني» و«حزب الله» إلى هذه الوضعية المترجرجة بعدما كانت العلاقة التحالفية بينهما نموذجاً تُضرب به الأمثال منذ التوقيع على ما سمّي بورقة التفاهم التي لطالما تغنّى بها عون ولم يُنفذ منها حرف واقتصرت مفاعيلها على إرضاء التيار العوني بمقاعد وحقائب وزارية مميزة لصهر الجنرال ونائب هنا والتغاضي عن التزامات وصفقات هناك وإطلاق يد وزير الطاقة والكهرباء في الاستئثار والتصرف بمئات ملايين الدولارات مقابل لا شيء من الإنجازات حتى الوهمية منها في قطاع الكهرباء الذي يسير من سيئ إلى أسوأ، باستثناء التغاضي التام عن ارتكابات الحزب القاتلة في الداخل ضد خصوم التيار السياسيين ومن كل الاتجاهات والدفاع عن السلاح الذي تحول لتهديم مرتكزات الدولة وأخيراً في المشاركة بفاعلية لإنقاذ نظام الأسد المتهالك؟
يكشف مصدر قريب من «التيار» والحزب وشارك بفاعلية بالمساعي والاتصالات التي جرت في الأيام القليلة الماضية لإعادة تقريب وجهات النظر وطي صفحة الخلاف حول مسألة التمديد للمجلس النيابي وذيولها، أنه تمّ الاتفاق على عقد لقاء بين أحد مسؤولي الحزب البارزين والوزير باسيل لمناقشة العلاقات بين الجهتين والبحث في نقاط الخلاف العالقة وخصوصاً المسألة الخلافية الجديدة المتعلقة بالتمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي، التي يؤيدها الحزب ويرفضها رفضاً قاطعاً التيار العوني.
وبعدما نقل الوزير باسيل وجهة نظر زعيم التيار العوني الرافض كلياً للتمديد لقهوجي، لأنه حسب رأيه لا أسباب موجبة ومقنعة لمثل هذه الخطوة باعتبار وجود ضباط مؤهلية كثر داخل المؤسسة العسكرية، وبالإمكان انتقاء أحدهم لتولي مهمات القيادة بعد انتهاء ولاية القائد الحالي للجيش، ولأن التمديد قد يقطع الطريق على المؤهلين منهم ويؤثر على معنويات الجيش في هذه المرحلة الحسّاسة والدقيقة التي تستوجب ضخ دم جديد في جسم المؤسسة العسكرية ككل. وبعد نقاش مستفيض طرح باسيل اسم عديله وصهر النائب عون العميد شامل روكز كمرشح لمنصب قائد الجيش الجديد، باعتباره أحد الضباط الكفوئين لتولي هذا المنصب، ومن حق التيار العوني باعتباره يمثل الشريعة الأوسع من المسيحيين وله أكبر كتلة نيابية مسيحية بالمجلس النيابي أن يكون له رأي في هذه المسألة المهمة، لأن تجاوزه يعني تجاهل وزنه السياسي والشعبي وتهاون بالتحالف القائم، وتقديم آراء ومواقف الخصوم على رأيه وتحطيم لمعنويات جمهوره خصوصاً في الانتخابات المقبلة.
ويضيف المصدر المقرّب من الطرفين أن طلب الوزير باسيل قوبل من قبل محدثه بالرفض، ولأنه لا مجاملة في مثل هذه المسألة قال المسؤول بحزب الله: «نحن نصرّ على تحالفنا الوثيق المرتكز إلى ورقة التفاهم الموقّعة بيننا في مار مخايل، ولكن هذه المسألة، مسألة التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي حسمت لدى قيادة الحزب لجهة تأييد التمديد ونحن سنصوت إلى جانبه لدى طرحه بالمجلس النيابي، لأن لنا مصلحة بذلك كحزب انطلاقاً من تجربتنا بالتعاون الوثيق مع قائد الجيش الحالي في وقائع ومناسبات وأحداث مهمة عديدة، في حين ان تاريخ وسلوكية العميد روكز العدائية للنظام السوري منذ قبل عودة النائب عون إلى لبنان من منفاه الباريسي وما ينقل عن لسانه في مجالس خاصة من كلام ومواقف بحق الحزب لا يُشجّع على الإطلاق، ولا سيما أن هذا الكلام المناهض لنا قيل اكثر من مرة، وقد تأكدنا منه من اكثر من جهة وشخصية كانت حاضرة لمجالسه.
وقد انتهى اللقاء الأوّل لباسيل مع المسؤول الحزبي من دون التوصّل إلى أي نتيجة مما أبقى الخلاف قائماً، ولكن من دون انقطاع التواصل بين الطرفين، إلى ان تمّ الاتفاق على عقد لقاء ثان بين مسؤول «حزب الله» والوزير باسيل مؤخراً، بدأه وزير الطاقة بالدخول مباشرة في نقل وجهة نظر زعيم التيار العوني برفض التمديد لقائد الجيش تحت أية حجة كانت وإصراره على ترشيح صهره العميد روكز لهذا المنصب، ولدى رفض المسؤول الحزبي لهذا الطلب من جديد، مؤكداً أن الحزب يفضل بقاء العماد قهوجي بهذا المنصب كونه يُشكّل ضمانة للعلاقة الجيدة التي تربط بين الجيش والحزب، ولافتاً إلى انه لا نية للحزب في الخوض بتجربة تعيين قائد جيش جديد في هذه المرحلة الحسّاسة، ملمحاً الى امكانية تأثر العميد روكز بالمرحلة السابقة والخشية من تفاعل مواقفه السابقة مع ممارساته في قيادة الجيش، ردّ الوزير باسيل قائلاً: الجنرال وأنا نشكل الضمانة الأساس لوجود العميد روكز في قيادة الجيش، أفلا تثقون بنا أيضاً؟
وهنا ردّ المسؤول الحزبي بالقول، المسألة ليست مسألة الثقة بكم أم لا، ولكننا كحزب لا نستطيع المجازفة في مثل هذه المسألة المهمة، والأفضل أن نسهّل كل الإجراءات المطلوبة لإنجاز التمديد للجنرال قهوجي بأقرب وقت ممكن.
وحسب المصدر المقرّب، فقد انتهى اللقاء الثاني من دون التوصّل إلى اي نتيجة في ضوء إصرار كل من الطرفين على موقفهما، بل أدى أيضاً إلى زيادة التباعد واتساع الهوة القائمة بينهما، باعتبار أن حسابات «حزب الله» في مكان وحسابات «التيار العوني» في مكان آخر، ولأن مسألة التمديد لقائد الجيش لا يحكمها الجانب السياسي والأمني فقط، بل تنسحب إلى واقع العلاقة العائلية داخل عائلة العماد عون كذلك، باعتبار أن فشل إيصال العميد روكز إلى سدة قيادة الجيش قد تكون له تداعيات داخل العائلة العونية الواحدة في المستقبل، بعد الوعود التي أغدقها العماد عون عليها ولم تتحقق، وقد خُذل من أقرب الأقربين له «حزب الله» وليس من أي طرف آخر.
ويخلص المصدر المذكور إلى القول، انه إزاء ما حصل، لم يعد العتب محصوراً في المجالس الضيقة، بل تعداه إلى المجالس المفتوحة للجنرال عون الذي لم يكتف بإبداء الأسف لما آلت إليه العلاقة مع الحزب، مشيراً أكثر من مرّة إلى أنه سلّف الحزب كثيراً، لافتاً إلى مسألة تعيين المدير العام للأمن العام عباس إبراهيم التي انعكست سلباً على علاقة التيار مع جمهوره، ولكن الحزب أصر على هذا التعيين ولم يتريث للأخذ بملاحظات التيار وهواجسه، مروراً بمسألة القانون الارثوذكسي الذي لم يبذل أي جهد ملموس وفاعل لتأييده والتصويت عليه بشكل نهائي بالمجلس النيابي، ناهيك عن العديد من الوقائع التي تُرك فيها التيار يقاتل بمفرده ولم يستطع حتى تعيين مدير عام واحد بالدولة وله الحصة الأكبر من الوزراء في الحكومة الميقاتية المستقيلة بسبب وقوف الحزب إلى جانب خصوم التيار السياسيين وليس إلى جانبه.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك