لعل الرئيس نجيب ميقاتي نفسه لم يرد لتجربته الحكومية الثانية العالقة عند مرحلة التكليف ان تقرن اسمه بتطور مذهل كهذا الذي يجري حاليا. تنكب الرجل للمهمة الشائكة على قاعدة ان أسوأ الاحتمالات وأقصاها صعوبة هو تأليف حكومة اللون الواحد، ومع ذلك ارتضاها بحلوها ومرها. لكن ذلك بدا كأنه من حسابات عصر عتيق آفل، على رغم ان شهرين وثلاثة ايام منذ التكليف غالبا ما لا تعد بمعايير تجارب التأليف شواذا استثنائيا. وقبل ان ينصرم الشهران، ثم غداة وعد بأن يكون الاسبوع الطالع موعد الولادة الموعودة بعد الشهرين بأيام قليلة، اذا بالاستحقاق الحكومي ومعه لبنان بمجمله في مواجهة ما لم يحسب له أحد حسابا أقله لجهة التوقيت السريع الذي انسلت فيه نيران الاحتجاجات الى سوريا وحجمها وطبيعتها الخطيرة المتطورة يوما بعد يوم.
والحال ان المخادعين وحدهم يزعمون ان حجم ما يجري في سوريا كان في دائرة الاحتساب الدقيق المسبق، ولو ان نذير تدحرج الثورات العربية اليها كان ماثلا كإنذار محتمل أكيد لألف سبب وسبب.
كما ان عين الحكمة بالنسبة الى اللبنانيين خصوصا بكل قواهم وفئاتهم وطوائفهم، هي في التزام التهيب أمام الحدث السوري وتجنب أي أخطاء قاتلة في الحسابات المتهورة.
ولكن ذلك لا يسقط في اي شكل حق اللبنانيين في ان يتساءلوا اي حكومة في لبنان والنار تتمدد الى سوريا؟ وهل ما كان متاحا او مباحا قبل الحدث السوري يظل ساريا بالمعايير نفسها بعده؟
لا يتصل السؤال في الواقع "بحق" الاكثرية الجديدة في تأليف الحكومة لمجرد كونها ائتلافا من حلفاء سوريا، او "لرهان" متهور على اهتزاز الركيزة الاساسية لهؤلاء الحلفاء. بل ربما يكون في مصلحة لبنان الان ان تكون فيه حكومة أفضل من ان يواجه المجهول الذي يتطاير شرره في كل الانحاء العربية بواقع المنتظر العالق في الحفرة. ولكن ما بين التكليف الثابت والتأليف الهائم الضائع، بات الامر ملحا للنظر او بالاصح لاعادة النظر بالمعايير التي ستقدم على اساسها الحكومة، وجدول الاولويات الطارئة التي باتت تفرض عليها وظيفة مختلفة حتى عن تلك التي أملت على داعمي الرئيس المكلف قلب الحكومة الحريرية وإسقاطها.
ولا داعي في هذا المجال ايضا لأي مخادعة او مكابرة. فكلفة مرحلة التكليف وحدها، على قصر المدة نسبيا، باتت باهظة جدا ان في السياسة او في العلاقات الديبلوماسية او الاقتصاد او أخيرا في الامن مع خطف الاستونيين السبعة. وهي كلفة لم يحتسب فيها بعد موقع لبنان المتوجس والمترصد والمتقوقع خيفة على ضفاف المراقبة والمعاينة للعواصف العربية المتدحرجة.
في ذلك يصعق اللبناني فعلا ويكاد لا يصدق ان ثمة من لا يزال يرتع في "ترف" الحديث عن "كلمة سر" سورية لتأليف الحكومة. حتى امام حدث مدو صاعق وغير مسبوق في سوريا، ثمة في لبنان وسوريا من لا يشاء الكرامة للبنان ولا "الاصلاح" لسوريا. وفي حال صح هذا الزعم، هل تراها تلك الكلمة الساحرة ستكفي لبنان وسوريا وتوفر لهما الحصانة والمناعة امام النار المتمددة؟
أي حكومة للبنان الذي تحاصره نيران الثوار العرب والثورات على الانظمة، هي التحدي الخطير الصارخ قبل ان تغدو الكلفة أكبر من ان تحتمل.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك