لا تشكو هذه الحكومة إلا ّ كونها الوجه الاخر لطبيعة الحكم المفروض على هذا البلد ، والخارج على أي أصول وقواعد وأي مؤسسات بل على مفهوم الدولة عينه . فالمسألة ليست في أشخاصها الذين ، لولا هوس بعضهم ، لكانت ربما مثل كل الحكومات العادية للأيام العادية . انما المسألة في كون هذه الحكومة تعبيرا ً عن التسليم بواقع الحال ، بل بهذه السلطوية الوافدة الينا من محيطنا بحجة ان الدولة عندنا عاجزة أو ممتنعة عن مقاومة اسرائيل فيجب أن يقوم مقامها تنظيم مسلّح مثل حزب الله ، او لأنها هكذا هي تفهم الدولة القوية والقادرة : سلطة وسلاح ونظام من حديد . وهذا ما أكّد عليه السيد حسن نصرالله في طلّته التلفزيونية الأخيرة بقوله : ان النظام السوري هو النظام العربي الوحيد الذي يقاوم اسرائيل أو ينتمي الى معسكر الممانعة . أمّا ما عدا ذلك فهو لا يرتدي أي أهمية ، بما فيه الأزمة التي يمرّ فيها هذا النظام وكل الأنظمة من حولنا . ولا غرابة في نظره اذا ما كان الحكم في لبنان شراكة بين الدولة ونقيضها ، أو بين "الشعب والجيش والمقاومة "، أمّا الدولة فلا لزوم لها .
الحكومة الماثلة أمامنا قبل أن تمثل أمام مجلس النواب هي الوجه الآخر للسلطوية المشار اليها . فربما كان تشكيلها عملا ً لبنانيا ً ، لكنّ لبنانيتها هي من النوع الذي لا يرى غضاضة في أن يحكم البلد بهذه الطريقة طالما انه يتعذر جعله بلدا ّ منزوع السلاح . أفما قيل ان السياسة هي فن ّ الممكن ؟ بيد ان السياسة هي ايضا ً وسيلة من وسائل المقاومة والدفاع عن النفس كما عن السيادة ايضا ً والاستقلال . وأمّا الغرابة فهي أن يصدّق بعض الوزراء الجدد على هذه اللعبة أنّه "سيشيل الزير من البير " ، أو أنّه سيعيد سلطة القانون الى كل أرجاء لبنان وأنّه سيقضي على الفساد في منابعه الى آخر السلسلة . فقليلا ً من التواضع ، وقد يكون الكفّ عن العنتريات أنفع لهم وأجدى وأقل ّ ضررا على العباد . فهم بالكاد يملكون ما يبدّل قيراطا ً في واقع الحال طالما انّهم ينطلقون من التسليم به واعتباره ملازما ً لوجود هذا البلد حتى إشعار آخر . تماما ً كما ذهب اليه وزير العدل الجديد وهو يقول ان من حق حزب الله أن يدافع عن نفسه في وجه الاختراقات الأمنية التي يتعرّض لها ، ولو تطلّب الأمر توقيف الأشخاص واعتقالهم والتحقيق معهم وإدانتهم أيضا ً، وبالاستقلال الكامل عن السلطات اللبنانية المختصة . ان حزب الله سيّد نفسه ويتمتع من هذا القبيل بكل الصلاحيات يعجبنا الأمر أو لا يعجبنا . أمّا مهمّة الحكومة فهي أن تعنى فقط بشؤون الناس الحياتية كما يقال ، كما كل الحكومات في الأنظمة السلطوية من حولنا ، إلاّ ان ولا واحدة من هذه الحكومات منعت انتشار الفساد أو قلّلت من البطالة والعوز والفقر أو جعلت لقمة العيش في متناول كل الناس . فما معنى الكلام على أكثرية تحكم وأقلّية تعارض في هذه الحال ؟
الموقف الصحيح هو تمكين هذا البلد من مواصلة مقاومته لهذه السلطوية التي لا تختلف في شيء عن سائر السلطويات العربية الآخذة في التداعي تحت وطأة الغضب الشعبي الذي هو أقوى وأمضى من أي سلاح .
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك