الحكومة الجديدة ماضية في استكمال عدتها الدستورية، وهي اليوم أمام حلقة إنجاز البيان الوزاري، لتكتمل السلسلة بنيلها ثقة المجلس النيابي، وتشرع في العمل والحكم. والمعارضة التي لم يهضم حريريوها بعد أنهم باتوا معارضة، شحذت هممها الكلامية والكتابية وما تركت سهمًا إلا وصوبته إلى صدر الحكومة، حتى قبل أن تتألف. وهي، أي هذه المعارضة، تعد العدة أيضًا لملاقاة التشكيلة الميقاتية في ساحة الوغى البرلمانية، وكثر من عناترتها يسرجون، كلٌّ أبجرَه، ورماحُ فقدان السلطة منهم نواهلُ، وفي ودِّهم تقبيلُ السيوف التي لمعت كبارق ثغر السلطة الذي تبسَّم لهم طويلًا.
وإلى أن يحين موعد تلك المسايفة بالكلام، تحت قبة البرلمان، في ساحة النجمة، تعج ردهة الانتظار بالمواقف، بعضها خارجي، وبعضها الآخر محلي، يمكن عَدُّه، في جانب منه، "بروفا" لجلسة الثقة العتيدة، لكنها تحمل مفارقات تثير السخرية وتستفز الذاكرة غير القصيرة وتستدعي بضعة تعليقات.
- حين التقى البابا بنديكتوس السادس عشر البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، قبل أيام في الفاتيكان، بادره بالقول: "هنيئًا، أخيرًا بات للبنان حكومة، نتمنى لها كل نجاح وكل خير". بركة بابوية عدَّها من أعطي له مجد لبنان "أساس كل شيء، لأن الله من دونها لا يسير أي أمر إلى مبتغاه".
وفي المقابل، حين قرر نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام التعليق على تأليف الحكومة اللبنانية، أبلغ إلى إذاعة أميركية ناطقة بالعربية (بعدما كانت أعادته إلى الواجهة، قبل أيام، مقابلة أجرتها معه محطة تلفزيون إسرائيلية)، قوله إن "ليس في لبنان حكومة، لأنه محتل من حزب ألله".
لا أقارن طبعًا بين الموقعين ولا بين الرجلين، حاشا. لكن حرفًا واحدًا يجعل الفارق ما بينهما بعد سماء عن أرض: كلمة سواء قالها البابا، وكلمة سوء تلفظ بها، كعادته مذ ابتلينا بتولِّيه الملف اللبناني، السيد خدام، ما غيره. ولأن الذاكرة ما زالت ذاكرة فيل، مثخنة بإنجازات "أبي جمال"، أسأله: كيف كانت تقوم حكومات في لبنان، تؤلفها سيادتك في مكتبك، زمنَ "الضَّروري والشرعي والموقت"؟ أتذكر أبا جمال، أم نسيت؟ حزب الله، أيًّا يكن الموقف منه، ومهما يَقُلْ فيه خصومه أو معارضوه، يبقَ حزبًا لبنانيًّا، لا تنطبق على أي من أفعاله كلمة احتلال، وليست المرة الأولى يمثل في حكومة لبنانية. أما الاحتلال فيحفظ لك في ذاكرتنا، ذكريات ولا أحلى ولا أجمل ولا أبهى ولا ألذ ولا أطيب ولا أسلس ولا أهضم، ليس أقلها وصفه من قاوموا ذاك الاحتلال طوال ثلاثين عامًا، بأنهم لا يشكلون سوى 5 في المئة من الشعب اللبناني!!!
على فكرة، "شو دخَّلك" بحكومة لبنان؟ ما دخَّلك.
- رئيس الحكومة السابق النائب سعدالدين الحريري منقطع عن الأنظار والأسماع، إلا لمن يحظى بزيارته في مقر إقامته. يمكث خارج لبنان متنقلًا بين عواصم يأمن لها وإن وسط حراسة مشددة. يسيل حبر كثير عن أنه مهدد وأنه نجا من محاولة لاستهدافه في بيروت قبل مغادرتها منذ نحو أربعة أشهر. ينشر في الإعلام أنه يتهيأ لمنازلة خلفه الرئيس نجيب ميقاتي في جلسة الثقة، وقد مهد لذلك بجملة لقاءات واتصالات، ووضع مع حلفائه الخطة المناسبة لذلك.
قد يكون ما سبق صحيحًا، مع تمنٍّ صادق بألا يصيبه مكروه، وأن يحميه الله من أي سوء. لكني لا أقرأ في سلوكه هذا إلا محاولة منه لتأدية دور الضحية، فلا يعود أحد يسأل عن السبب الحقيقي لابتعاده عن لبنان (وقد غمز من قناة هذا الغياب حلفاء له)، وتبقى القاعدة الشعبية مشدودة إليه، لأن الغائب عذره معه.
ولا أدري هل يوفق بهذا الدور الجديد أم لا. وفَّقه الله.
- يظهر تباين يصل أحيانًا إلى حد التناقض في مقاربة مسؤولين في تيار المستبقل أو حلفاء لهم، للأزمة في سوريا. بعضهم يقول إن لا مصلحة لطرابلس في التظاهرات المؤيدة إسقاط النظام السوري أو الداعية إليه، وبعضهم الآخر يؤيد من طرابلس حَراك الشعب السوري ضد النظام، وبعضهم الثالث يتلطى خلف الشعارات فيؤكد "الانحياز المطلق إلى جانب حركة الشباب العربي وحركة الإصلاح والتطوير في العالم العربي".
هل في الأمر حرية تعبير وموقف، أم ارتباك في المقاربة، أم توزيع أدوار... أم ينطبق، في هذا المجال، المثل القائل، ولو محوَّرًا: خدوا أسرارهم من كبَّارهم؟
- يبقى النائب عقاب صقر... غاب غاب غاب، وعاد إلينا بخشية على وزارة العدل، لأنها في يد وزير من تكتل التغيير والإصلاح، فـ"باتت تشكل غطاء للعملاء داخل الدولة"، من دون أن ينسى مهاجمة التيار الوطني الحر الذي "يستميت في الدفاع عن عميل ثبت تعامله مع العدو، وأعلن القضاء اللبناني ذلك".
"العميل" المقصود بكلام صاحب السعادة هو العميد الركن المتقاعد فايز كرم الذي ما زال موقوفًا، أي أنه ما زال بريئًا حتى تثبت إدانته، ولم يدنه القضاء بعد، إلا إذا كانت رغبات النائب الكريم أوامر. ولم يثبت عليه شيء بعد، إلا إذا كان الصقر بنظره الثاقب ضبط القيادي العوني بالجرم المشهود.
توجهت إليك قبلًا، صاحب السعادة، بأن تتعلم ألفباء القانون، قبل أن تتكلم فيه، كرمى لصورتك ولأدائك. وبما أنك لم تأخذ بالنصيحة، وتبقى النصيحة بجمل، أزيد اليوم: تعلمه حتى تصبح فيه طليقًا مثلما أنت طليق اللسان...
على فكرة. أين أنت؟ طال غيابك، اشتقنا.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك