الوضع اللبناني الشاذ لا يستطيع أن يظل كالنعامة مغرقاً رأسه في الرمل، ومغرقاً البلد المشلول جداً في المزيد من الترُّهات والسفسطائيّات لبعض المتزعمين المنتشين بقدرتهم على التعطيل، والمتطلِّعين دوماً صوب ما يرضي غرورهم. أيّا تكن الأَثمان والنتائج.
منذ فترة طويلة ولبنان يعيش في منطقة من فراغ الحكم، وفراغ المؤسّسات، والفراغ السياسي، والفراغ الاقتصادي، فضلاً عن غياب اللعبة الديموقراطيَّة وانعدام التوازن.
التطلَّعات السلبيَّة التي لا تخلو من الأحقاد والضغائن والمطعَّمة بالرغبة الجامحة في الثأر والانتقام، لا تزال تقود العملية السياسيَّة وتطغى على معظم القرارات والخطوات. وعلى صعيدي المعارضة والموالاة. من قديم وجديد.
والى درجة الإطباق على دورة الحياة العامة للبلاد والعباد، ولو في الحد الأدنى. ومن دون أية مبالاة من هذا الفريق أو ذاك.
ليس المهم أو المطلوب تحديد المسؤوليات، أو توجيه الاتهامات، أو إلقاء التبعات عشوائيّاً أو انتقائياً. هناك على الكتف حمَّال كما تقول الأمثال. وهناك تسونامي تغييرات وثورات وانتفاضات، يلفُّ المنطقة العربيَّة، ويمخرها، ويستقطب عطفاً عالمياً وتأييداً دولياً عارمين.
حتى ليكاد الضجيج يدق الباب اللبناني من الشرفات القريبة، وينده بصوت مرتفع على المستهترين والمستلشقين من القياديّين اللبنانيين، ناصحاً المجانين قبل العقلاء والحكماء ان يتأملوا ويتمعنوا في ما يدور حولهم.
ما نراه ونسمعه يوميّاً، ومنذ أسابيع وأشهر وسنين، وما رهن لبنان وحبسه في حقل من الألغام ومن دون أية مبالاة، دلالاته قاسية جداً ضد المهيمنين مباشرة، وبقوة السلاح وقوة النفوذ المستعار، وقوة الأنانية المتناهية.
البلاد معطَّلة من الباب الى المحراب.
والأسباب الواضحة متصلة بقوى تفرض نفسها وارادتها ومشيئتها وقرارها، وبدعم غير مسبوق من خارج الحدود، وعلى نطاق اقليمي واسع لا يخفى على اللبنانيين والعرب والعالم.
إذاً، ما هو الحل؟
واين المفرّ؟
يدرك الواعون والغيارى من اللبنانيين أن التغيير في المنطقة العربيَّة، لا تقدر أية قوة أن تدَّعي أبوته. كما لا تستطيع حتى العواصم الكبرى في العالم القول إنها على علم بما سيحصل غداً في هذه الدولة العربيَّة أو تلك، أو كيف سيصحو ذلك الحاكم المتأله الذي يستبدُّ ويتفردَّ ويقرر كما يحلو له ويشاء.
إنه الربيع العربي. ربيع العالم العربي. ربيع شعوب لم تتمكّن بعد من رؤية الربيع في بلادها، ولم يتح لها أن تمارس شيئاً ولو طفيفاً من الديموقراطيَّة الحقة، والحريات الحقة، والمساواة الحقة، والعدالة الحقة، ولم تتنسَّم الهواء النظيف والاوكسيجين الصافي، ولم تألف الأمان والطمأنينة بعد.
لبنان الذي كان نموذجاً بكل هذه الخصائص المتميزة، يبدو اليوم كأنه يتهيأ لفقدانها وخسارتها الى الأبد.
فلا بدَّ من انتفاضة لبنانية صادقة. ولا بدَّ من غضبة تطيح هؤلاء السياسيين والمتزعمين الرافلين بالانانيَّة والشخصانيّة والشهوات والوصولية.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك