التطور الأكثر خطورة في الحرب الأهلية السورية هو تمددها التدريجي إلى الدول المجاورة حيث وجدت كل من تركيا ولبنان والأردن نفسها مضطرة لإيواء اللاجئين المتدفقين عليها من سوريا، كما وقعت عدة أحداث عنف نتيجة لهذه الظاهرة. وكانت آخر تلك التطورات الخطيرة اغتيال اللواء وسام الحسن مدير شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللبناني في التاسع عشر من أكتوبر الماضي، وهو الحادث الذي كان سبباً في مفاقمة الأزمة السائدة في بيروت، حيث يوجه السكان السنة والعديد من المسيحيين والدروز بتوجيه إلى "حزب الله" الذي يحتفظ بعلاقات وثيقة مع نظام الأسد، بالضلوع في متقل الحسن.
ويخشى اللبنانيون أشد الخشية من العودة إلى الصراع الطائفي داخل مجتمعهم، ويتذكرون جيداً آخر حرب أهلية خاضوها واستمرت خمسة عشر عاماً خلال الفترة من 1975 إلى 1990 وأسفرت عن مصرع 100 ألف شخص وإصابة ما يقرب من مليون شخص آخرين. وكان السبب في تلك الحرب -جزئياً- وجود قوات منظمة التحرير الفلسطينية التي جاءت إلى لبنان بعد طردها من الأردن إثر قتال دامٍ مع جيش الملك الحسين في سبتمبر عام 1970. في نهاية المطاف اجتذبت الحرب الأهلية اللبنانية سوريا التي تدخلت في البداية لدعم المسيحيين، كما اجتذبت إسرائيل التي قامت قوتها بالاحتلال الكامل لجنوب لبنان في يونيو 1982.
والمفارقة أن الشيعة اللبنانيين رحبوا بالاحتلال الإسرائيلي في بداية الأمر لأنه خلصهم من الوجود المهيمن لقوات منظمة التحرير الفلسطينية في الجنوب، ومن عدد لا يحصى من نقاط التفتيش التي أقامتها هناك وسببت للسكان مضايقات عديدة. لكن الأمر لم يدم طويلاً حيث انقلب الشيعة على الإسرائيليين ورفضوا احتلالهم لأراضيهم بشدة. وكانت نتيجة تلك المشاعر المريرة ظهور "حزب الله" باعتباره القوة الرئيسية في الجنوب التي تواجه الاحتلال الإسرائيلي بعد طرد قوات منظمة التحرير الفلسطينية من المنطقة ومن لبنان كله عقب الاجتياح الإسرائيلي الذي احتل الجنوب والجزء الغربي من العاصمة بيروت.
ولدى تركيا أسباب لا تقل قوة تدفعها لتمني رؤية نهاية قريبة للحرب المحتدمة في سوريا، ومن ذلك كونها اضطرت للتعامل مع طوفان من اللاجئين السوريين يربو على 100 ألف لاجئ فروا عبر الحدود بحثاً عن ملاذ آمن في أراضيها. وفي مقابل ذلك دأبت القوات السورية الموالية للأسد بشكل دائم على انتهاك الأراضي التركية نظراً لتصميمها على منع تدفق الأسلحة القادمة من بعض الدول العربية إلى قوات المعارضة السورية عبر الحدود الفاصلة بين البلدين. وأي تصعيد للصراع المباشر بين سوريا وتركيا يمكن أن يدفع الأخيرة لطلب الدعم العسكري من حلفائها في "الناتو". ولو استجاب "الناتو" لطلب التدخل فإن ذلك سيعتبر تهديداً كبيراً في نظر إيران التي تعد حليف سوريا الوحيد في المنطقة، وكذلك من جانب روسيا التي دعمت نظام الأسد منذ البداية باعتباره الصديق الحقيقي الوحيد المتبقي لموسكو في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
ومن التطورات الأخرى المقلقة في الأزمة السورية تأثير الحرب المندلعة هناك على الأكراد في عدد من دول الشرق الأوسط. والمعروف أن أكراد سوريا الذين كانوا يشعرون من زمن طويل بالسخط جراء القمع الذي تعرضوا له على أيدي نظام الأسد الأب والابن قد رأوا في الحرب الأهلية السورية فرصة عظيمة لتعزيز مطالبهم بالحكم الذاتي. وهذا الحكم الذاتي على وجه التحديد كان يمثل رغبة الأقلية الكردية الكبيرة في تركيا منذ زمن طويل. ومن المعروف أن الحزب الأكثر رغبة في المواجهة العنيفة للحكومة التركية هو "حزب العمال الكردستاني" الذي خاض قتالاً مريراً ودامياً ضد الحكومة التركية منذ سنوات والذي يرفع أجندة للاستقلال غير مقبولة على الإطلاق من قبل الأغلبية في تركيا.
ومن هنا، فإنه كلما طال أمد القتال والفوضى على طول الحدود السورية التركية، زادت فرص جر الأكراد في العراق وإيران لأتون القتال، وهو ما سيمثل معضلات للدول الأربع التي تعيش فيها أقليات كردية والتي لا تقبل أي منها بمبدأ قيام دولة للكرد.
الدولة الثالثة التي تشعر بالقلق الشديد جراء الحرب المندلعة في سوريا هي الأردن التي استقبلت ما يقرب من 40 ألف لاجئ سوري فروا عبر الحدود إلى أراضيها وانتهى الأمر بمعظمهم إلى الإقامة في معسكر الزعتري للاجئين الذي تديره الأمم المتحدة. وسبب قلق الأردن من مشكلة تدفق اللاجئين السوريين هو أنه لم يتعاف بعد من طوفان العراقيين الذين تدفقوا عليه أثناء الحرب العراقية، ما يجعله غير مستعد ولا مجهز للتعامل مع أعداد إضافيه من اللاجئين، يمكن أن يضيفوا أعباء زائدة لا يحتملها مشهده السياسي المتقلب الذي ما زال يعكس حالة من الصراع العميق بين بعض مكوناته الداخلية.
الموضوع المتداخل مع كل تلك القضايا يتمثل في المشكلة الفلسطينية، سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية أو في الشتات الفلسطيني، في لبنان وسوريا والأردن. فأي حرب ممتدة بسبب تفاقم الأزمة السورية يمكن أن تقود في نهاية المطاف إلى جر إسرائيل، وقد تؤدي بالتالي إلى إشعال نيران انتفاضة فلسطينية ثالثة، خصوصاً إذا ما أخذنا في الحسبان حالة الجمود السياسي السائدة حالياً بسبب تعثر المفاوضات بين الإسرائيليين والسلطة الفلسطينية.
وقصارى القول في هذا الخصوص أن هناك إمكانية كبيرة لأن يؤدي العنف المتصاعد بين تركيا وسوريا إلى تأجيج نيران حرب إقليمية أوسع نطاقاً يمكن بدورها أن تجر قوى خارجية، وتؤدي إلى مفاقمة الانقسام الشيعي- السني المرير. وإذا ما كانت هناك حالات مشابهة في الماضي للوضع الحالي في الشرق الأوسط، فإن أول ما يخطر على الذهن هو الحرب الأهلية الإسبانية أو ربما -وهو الاحتمال الأكثر تشاؤماً- الحرب العالمية الأولى.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك