"بغض النظر عما نشاهده على أرض الواقع، فإن العلاقات التجارية السرية بين إيران وإسرائيل تقدر بعشرات الملايين سنوياً... إن الجانبين يتبادلان التصريحات القاسية، في وقت تنمو فيه العلاقات التجارية بينهما ويكفي ذكر تجارة الرخام عبر تركيا" يهوشوا ميري رئيس جمعية الصداقة العربية ـ الإسرائيلية.
إيران غيت
القضية أيضاً معروفة باسم "إيران ـ كونترا"، وهي تؤشر الى فضيحة سياسية ظهرت الى العلن في الولايات المتحدة الأميركية في سنة 1986، أثناء ولاية الرئيس رونالد ريغان، عندما سهل بعض أعضاء الإدارة بيع أسلحة لإيران بشكل سري على الرغم من الحظر المفروض عليها من الإدارة الأميركية. وكانت الصفقة تضم احتمال الافراج عن رهائن احتجزها تنظيم لبناني تابع للحرس الثوري الإيراني (الجهاد الإسلامي) ومن ناحية ثانية فسيتم تحويل جزء من الأموال لمصلحة منظمة "الكونترا" المناهضة للحكم اليساري (ساندينيين) في نيكاراغوا" مع العلم بأن الكونغرس الأميركي كان قد منع تمويل "الكونترا".
المهم في التفاصيل هو أن تقوم إسرائيل بشحن المعدات العسكرية الى إيران وتقبض الثمن، لتعيد الإدارة الأميركية بيع هذه المعدات الى إسرائيل وتقبض ثمنها. في النهاية وصلت الأمور الى مبادلة بيع المعدات من إسرائيل الى إيران بتحرير الرهائن المخطوفين في لبنان. وكان مهندس هذه الصفقات الكولونيل أوليفر نورث من الجيش الأميركي، وتمت محاكمته على خلفية هذه القضية بعد انكشافها. وقد تضمنت الصفقة المئات من صواريخ "تاو" المضادة للآليات وصواريخ "هوك" المضادة للطائرات مع قطع تبديل تابعة لها.
ولكن الوثائق تؤكد أيضاً أن التعاون العسكري السري بين طهران وتل أبيب كان قد بدأ بعيد الحرب العراقية ـ الإيرانية بناء على ما يلي:
تلكس يطلب إذناً بالسماح لطائرة من شركة "ميدلاند" البريطانية بنقل أسلحة من تل أبيب الى طهران في الرابع من حزيران 1981.
عقد بين الإسرائيلي يعقوب نمرودي ووزارة الدفاع الإيرانية سنة 1981 بقيمة 135 مليون دولار مع وثائق تؤكد على تبادل البضائع في ميناء أمستردام.
طلب وزير الدفاع الإيراني ايماني من مجلس الدفاع في إيران الهجوم على العراق الى حين وصول الأسلحة الإسرائيلي.
طلب وزارة الدفاع الإيرانية صرف مبلغ مليار و781 مليون ريال إيراني لشراء أسلحة إسرائيلية عبر بريطانيا.
كل ذلك يؤكد أن التعاون العسكري الإسرائيلي ـ الإيراني لم يكن مسألة عابرة، بل هو موثوق وطويل الأمد. وبناء على المعطيات الإدارية المعروفة في إيران لا يمكن أن يتم هكذا عمل من دون موافقة من أعلى سلطة في الجمهورية الإسلامية وهي سلطة الولي الفقيه.
ظهرت هذه القصة الى العلن عندما قررت الولايات المتحدة الأميركية إدراج مجموعة "عوفر براذرز" وفرعها "تانكر باسيفيك" على القائمة السوداء لتعاملها مع إيران لأنها انتهكت قانون العقوبات المفروضة على الجمهورية الإسلامية. نفت مجموعة عوفر في بداية الأمر هذه المعلومات على أساس سوء تفاهم. وفي الوقت نفسه نفى رئيس غرفة التجارة والصناعة والمناجم الإيرانية محمد نهونديان أن تكون إيران اشترت سفينة بقيمة 8,6 ملايين دولار من شركة عوفر حسبما أكدت السلطات الأميركية وبنت عقوباتها على أساسها.
ولكن بعد انطلاق هذه الفضيحة عاد وتبين أن ما لا يقل عن 13 ناقلة نفط تابعة لعوفر كانت قد رست في موانئ إيرانية خلال السنوات العشر الأخيرة وقد تأكد ذلك من وثائق "أيكوسيس"، وهو بنك معلومات حول حركة الملاحة في العالم، مؤكدة رسوها في ميناءي بندر عباس وجزيرة خرج الإيرانيين. وقد ألمحت مجموعة الى أن الصفقات هذه تمت بمباركة رئيس الوزراء الإسرائيلي، والمراجع الرسمية والمخابراتية الإسرائيلية.
والمثير للريبة هو تصريح رئيس الموساد السابق مائير داغان بأن "معالجة هذه القضية مبالغ فيها" مما يؤكد تورط جهاز المخابرات الإسرائيلي في هذه العمليات.
ما يثير الدهشة هو أن تنشغل إسرائيل بهذه القضية فيما إيران تغرق في الصمت المريب مع العلم أن نظامها كان قد بنى كل استراتيجيته المعلنة على مبدأ العداء لإسرائيل رافعاً شعارات تأييد القضية الفلسطينية، مزايداً بذلك على الدول العربية، ممنناً العرب بالممانعة والمقاومة.
متى ينتهي النفاق؟
ليس من قبيل المبالغة القول بأن "حزب الله" هو صنيعة إيرانية أساسها الولاء لولاية الفقيه ويتبع تراتبياً الى قيادة الحرس الثوري الإيراني. وكما هو معروف استخدم "حزب الله" الى أقصى ما يمكن شعارات المواجهة مع العدو الإسرائيلي ومنّن اللبنانيين والعرب آلاف المرات بالانتصار على هذا العدو وكسر شوكة الغطرسة الإسرائيلية. كما أن هذا الحزب استخدم هذا الملف لتبرير احتفاظه بالسلاح الإيراني الذي مارس ويمارس من خلاله هيمنته على الحياة السياسية والاقتصادية، والأمنية للبنان. ويؤكد "حزب الله" على لسان كل قيادته افتخاره بتبعية المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية ووحدة الحال مع القرارات السياسية والأمنية للقيادة الإيرانية مما يجعل الحزب ملزماً على الأقل أخلاقياً بالاجابة على الوثائق والحقائق الثابتة بتعامل دولته الراعية مع دولة العدو. ولكن "حزب الله" سيتجاهل كالعادة هذه الوقائع مستمراً في النفاق دفاعاً عن الهدف الأساسي وهو مد سلطة الولي الفقيه على أكبر بقعة من الأرض حتى لو كان بمساعدة من إسرائيل.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك