توقيت بدء الهجوم على ليبيا مساء السبت الماضي، كان عراقيا. لكن الفوارق حالت دون إجراء الكثير من المقارنات أو دون البحث عن قواسم مشتركة واستنتاجات متشابهة. اختيار ذلك الموعد بالذات وفي الذكرى الثامنة لانطلاق الغزو الاميركي للعراق، كان ينم إما عن جهل أو عن عبث أو انتقام. المرجح أنه لم يكن صدفة. فمثل هذه العمليات العسكرية يسبقها في العادة تخطيط واف يشمل أدق التفاصيل وأصغرها ولا يحتمل أي هامش للخطأ خاصة في تحديد ساعة الصفر أو اعتماد اسم العملية فضلا عن أسلحتها ومداها وأهدافها.
لعل المسؤولين الغربيين والقادة العسكريين اتفقوا على موعد التاسع عشر من آذار 2011 بناء على وقائع الحملة التي كانت تشنها كتائب القذافي على مدينة بنغازي والتي كادت تحقق أهدافها كاملة لولا الضربات الجوية والصاروخية من قبل القوات الأميركية والفرنسية والبريطانية والإيطالية والكندية، مساء ذلك اليوم. لكن الواقع الاهم هو انهم لم يأخذوا في الحسبان حساسية ذلك التاريخ بالذات، ولم يشعروا بالحاجة الى الحذر من اختياره، او القلق من ان يهب الشارع العربي والاسلامي غاضبا إزاء ذلك الاستفزاز المتعمد.
كان قادة الهجوم الغربي مطمئنين كما يبدو الى ان الشارع لن يتحرك هذه المرة. وقد ثبت انهم على صواب. وتبين ان الغرب قد شفي من عقدة العراق، ونسي كوارث احتلاله طوال السنوات الثماني الماضية، كما ان العرب والمسلمين لا يواجهون الآن مثل هذه المعضلة ولا يطرحون حتى على انفسهم السؤال عما اذا كان الغربيون قد شرعوا في تنفيذ عملية غزو او احتلال جديد لبلد عربي ثان، بهدف الاستيلاء على نفطه وثرواته والسيطرة على شعبه، وإطاحة نظامه الوطني والقومي، من اجل تنصيب حاكم يخضع للإملاءات الاميركية والغربية. ولولا تظاهرات يسارية صغيرة خرجت في عدد من العواصم لجاز القول إن الهجوم يحظى بإجماع عالمي لم يسبق له مثيل.
ربما يتغير هذا الموقف خلال الساعات والأيام المقبلة، وليس من المستبعد ان ينقلب رأسا على عقب، في الغرب طبعا: لن يتأخر الكونغرس الاميركي في الطلب من الرئيس باراك أوباما ان يبلغه رسميا بتفاصيل الهجوم على ليبيا وخلفيته وكلفته المالية. ولن يتردد الجمهور الفرنسي والبريطاني في الخروج الى الشارع احتجاجا إذا ما شعر بأن الهجوم يخدم مصالح انتخابية للرئيس نيكولا ساركوزي او رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون. ولن يتلكأ الإيطاليون في محاولة استغلال الهجوم لتتويج مساعيهم الهادفة الى إطاحة رئيس وزرائهم سلفيو برلوسكوني.
لكن الشارع العربي سيظل صامتا، يترقب أن تنجح القوات الغربية بسرعة في إطاحة مجنون ليبيا معمر القذافي والتخلص من فضيحة عربية جديدة، لا تختلف عن الفضيحة التي كان يمثلها صدام حسين، وفي تفادي الأخطاء التي ارتكبتها تلك القوات في العراق... وأسوأها ما يلوح هذه الأيام من تركيز غربي على تدمير الجيش الليبي، الذي يفترض ان يكون هو البديل او على الاقل الحامي والضامن للمرحلة الانتقالية... بدلا من التوجه مباشرة وحصرا إلى باب العزيزية.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك