هاجس مرضي جديد يرعب المواطنين في شتى انحاء العالم، وخصوصا في قارة "الوجه العريض" مع تسجيل عدد كبير من الاصابات وحالات الوفاة.
فبعد انفلونزا الخنازير، وانفلونزا الطيور وجنون البقر وتحذيرات بالجملة من مواد مسرطنة في الغذاء، انشغل العالم مجددا ببكتيريا معوية مميتة تعرف باسم " أي كولاي"، ادّت الى مقتل 19 شخصا في اوروبا. ووفق منظمة الصحة العالمية فان هناك 520 حالة "شديدة الفتك" و 1213 حالة "أخف وطأة" في ألمانيا، بينما بلغ عدد الحالات التي أبلغ عنها في جميع الدول 552 حالة شديدة و 1271 حالة خفيفة الأعراض.
ووفقا لبيانات منظمة الصحة العالمية ، فقد ظهرت هذه البكتريا في 12 دولة ، وهي ألمانيا والنمسا والتشيك والدنمارك وفرنسا وهولندا والنرويج وأسبانيا والسويد وسويسرا وبريطانيا والولايات المتحدة.وكان معظم المصابين في تلك الدول قادمين من ألمانيا.
وفي وقت يتسابق العلماء لمعرفة مصدر هذه البكتيريا الغامضة ، يتخوّف الاخصائيون في المانيا من ان تكون هذه الظاهرة عملا ارهابيا. وامام هذه الشكوك، تحدثت بعض الصحف الالمانية مثل صحيفة "بيلد" عن عمل متعمد، وهي فرضية استبعدتها وزارة الداخلية في الصحف نفسها.
من جهتها، ذكرت مجلة "فوكس" احتمال ان يكون المرض تفشى خلال حفلة في هامبورغ ضمت من السادس الى الثامن من ايار 1,5 مليون شخص. وقد تكون اول اصابة سجلت بعد اسبوع في المستشفى الجامعي في المدينة.
وبحسب صحيفة "ليوبكر ناخريشتن" المحلية، يدرس المحققون في الشرطة خيط مطعم في ليوبك حيث اصيب 17 زبونا بالتسمم. واشارت صحيفة "سودويتشي تسايتونغ" ايضا الى مطعم في هذه المدينة نظم فيه منتدى نقابي منتصف ايار وشاركت فيه 34 امرأة اصيبت ثماني منهن وتوفيت واحدة.
اوروبا: حرب "الخيار"
"اي كولاي" تسببت ايضا بتوتر على صعيد الدول الاوروبية، اذ قادت روسيا حملة ادانة دولية وحظرت استيراد الخضراوات الطازجة من اوروبا واتهمت بروكسل باشاعة الفوضى لعدم اعطاء معلومات كافية عن التفشي. وقوبل حظر روسيا كافة الخضراوات غير المطهية من الاتحاد الاوروبي باحتجاج من حكومتي بولندا وهولندا وغضب المفوضية الاوروبية.
وكان المسؤولون الالمان قد القوا اللوم على ثمار الخيار الملوثة المستوردة من اسبانيا قبل ان يتراجعوا عن موقفهم ويعتذروا لمدريد. الا ان اسبانيا تقول إنها ستطالب بتعويضات من ألمانيا بسبب الأضرار الاقتصادية التي تكبدتها ، مؤكدة ان خسائرها وصلت الى معدل 200 مليون يورو أسبوعيا بسبب امتناع الدول عن استيراد الخضروات منها.
وبسبب هذه الازمة التي تلحق بمنتجي الخضار خسائر مادية هائلة، سيتم على الارجح دعوة وزراء الزراعة الاوروبيين الى اجتماع استثنائي في لوكسمبورغ لكن ليس قبل 17 حزيران بحسب مصادر دبلوماسية في بروكسل.
في اللحوم والخضار
وتتباين آراء العلماء وتحليلاتهم بشأن منشأ البكتيريا التي تفشت في اوروبا مؤخرا. ففيما يشير بعض العلماء الى ان منشأها خضروات ملوثة ، رجح خبير في منظمة الصحة العالمية أن يكون مصدر العدوى البكتيرية النزيفية "إي كولاي" في اللحوم أكثر من الخضروات.وقال الخبير دوناتو جريسو في تصريحات لصحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية: "العنصر المسبب للمرض يمكن العثور عليه في أمعاء الأبقار، وبالتالي في اللحم النيء مثل التارتار أو الهامبورجر غير المطهي جيدا". وأضاف جريسو أنه إذا كانت لحوم الأبقار هي مصدر هذه البكتريا ، فإن ذلك من الممكن أن يكون له علاقة بجرعات المضادات الحيوية الكبيرة التي يتم وضعها في أعلاف الأبقار ، حيث تزيد من مقاومة البكتريا.
يذكر انه ووفق نشرات مركز السيطرة على الأمراض ومنع انتشارها فإن بكتيريا «إي كولاي» تعيش في أمعاء البقر والعجول وغيرها من الحيوانات، كما توجد في اللحوم غير المطهية جيداً، والخضار مثل السبانخ والخس، والحليب غير المبستر، كذلك عصير الفاكهة.
بكتيريا شرسة
ويقول العلماء ان البكتريا تنتقل من شخص الى اخر عن طريق ما يعرف فقط بالطريق الفموي-الشرجي.
وكشفت هيلدي كروزه، من منظمة الصحة العالمية، عن ان البكتيريا الجديدة تحمل على السطح تركيبة الفيروس النادر المعروف باسم O104:H4 الا ان تركيبته الداخلية مختلفة حيث يتكون من مزيج نوعين من البكتيريا معا من تلك المعروفة باسم Escherichia-coli-Bakteriums، وهو ما يفسر شراستها وعدم استجابتها للعلاج مؤكدة انها نوع غير معروف حتى الآن.
ويخشى العلماء من ان تكون هذه السلالة من البكتيريا المعروفة علمياً باسم «اشيريكيا كولاي» أو اختصاراً «إي كولاي، وهي اشرس سلالة تصيب البشر من حيث درجة سميتها.
ومعظم سلالات «ايكولاي» غير ممرضة بل انها تمد الانسان بفيتامين (ب)، الا ان هذه السلالة التي تروع اوروبا حالياً والمعروفة باسم «0104:اتش 4»، فتعرف باسم سلالة شيجا المفرزة للسموم.
تلتصق في الامعاء
"اي كولاي" تفرز سموما داخل الأمعاء تؤدي الى اسهال دموي وفشل كلوي واضطرابات عصبية، وبالتالي وفاة المريض، كما انها لا تتجاوب كثيرا مع المضادات الحيوية «انتيبيوتيك»، وعلى الرغم من ان تطوير لقاح ضد البكتيريا الجديدة سيستغرق وقتا، الا ان اكتشاف سر تركيبتها المزدوجة ستساعد على سرعة تطوير علاج فعال في المستقبل القريب.ومن أبرز أعراضها الإسهال الدموي والقيء وارتفاع درجة الحرارة. وتبدأ العوارض لدى الإنسان المصاب بعد 7 أيام من دخول البكتيريا إلى الجسم. وأولى العلامات ألم في البطن بشكل مفاجئ، وبعد بضع ساعات يبدأ الإسهال، ما يُؤدي إلى فقد الجسم لكميات من السوائل والمعادن والأملاح، وظهور الإرهاق على المصاب. ويتطور الإسهال إلى إسهال مصحوب بالدم لأن البكتيريا تتسبب في قروح داخل الأمعاء، وهو ما يستمر لبضعة أيام. وقد يُصاحب الحال ارتفاع في حرارة الجسم وقد لا يصاحبه ذلك.
الوقاية
يُمكن الوقاية من الإصابة ببكتيريا «إي كولاي» عبر اتباع الخطوات الآتية:
ـ غسل اليدين بالماء والصابون جيداً قبل إعداد الطعام وطهيه.
-غسل الخضار الطازجة جيدا او الامتناع عن اكلها طازجة في حال الشكوك بوجود البكتيريا.
ـ طهي اللحم المفروم حتى زوال اللون الوردي عنه تماماً.
ـ لا تتذوق شيئاً من اللحم أثناء طبخه.
ـ لا تضع اللحم الناضج في أطباق وضع عليها اللحم النيئ سابقاً من دون غسلها جيداً.
ـ إذابة اللحم المتجمد تتم إما في الثلاجة أو أفران المايكروويف، ولا يتم ذلك خارجهما.
ـ إبقاء اللحوم غير المطبوخة بعيداً عن بقية الأطعمة.
ـ لا تتناول الحليب الطازج من دون بسترته.
ـ إبقاء الأطعمة أياً كانت في الثلاجة أو المجمدة.
ـ المصابون بالإسهال عليهم غسل أيديهم باستمرار، خصوصا بعد قضاء الحاجة.
ـ في المطاعم، احرص على تناول اللحوم المطبوخة جيداً وغير المحتوية على أجزاء حمراء غير ناضجة.
لبنان...يستنفر
في 3 حزيران 2011، اصدرت وزارة الزراعة قرارا حمل الرقم 1\525 جاء فيه:" يمنع استيراد جميع أنواع الخضار الطازجة بما فيها الفطر من الدول الأوروبية كافة بسبب تلوث قسم منها ببكتيريا سببت موت العديد من الاشخاص في أوروبا لتناولهم خضارا طازجة.
واذ نفى وزير الزراعة حسين الحاج حسن ان تكون سُجلت اخيرا في لبنان اي اصابة لدى المواطنين من جراء البكتيريا ، اكد ان الحظر "لن يؤدي الى نفاد الخضر من الاسواق المحلية كون لبنان يعتمد في الدرجة الاولى على انتاجه المحلي، اضافة الى انتاج الدول المجاورة مثل سوريا والاردن".
من جهته، يقول وزير الصحة محمد جواد خليفة في حديث لجريدة "الاخبار" إن "احتمالات الانتقال قد لا تكون محصورة بالخضر، فقد تتعداها إلى اللحوم ومياه الشفة. ولفت إلى أن عملية الانتقال حصلت وفق احتمالات عديدة: إما عبر ري الأراضي الزراعية من مياه للأنهار كانت قد حوّلت إليها مياه الصرف الصحي، وبالتالي تلوثت المزروعات بهذه البكتيريا فتناولها الإنسان عبر الفم وحدثت الإصابات، وإما أن المواشي في إحدى الدول قد شربت من مياه ملوثة بالصرف الصحي فانتقلت إلى الإنسان عبر اللحم، وإما أن أساس انتقال هذه البكتيريا إلى فم الإنسان هو المياه نفسها، بحيث شرب الناس مياهاً تسربت إليها مياه الصرف الصحي... وبالتالي إن المصدر هو الطعام (بمختلف أنواعه) أو مياه الشرب. ويشير خليفة إلى أنه قبل الخوف من البكتيريا الآتية من الخارج، على لبنان أن يتخذ تدابير بوقف تحويل مياه الصرف المياه إلى الأنهار أو ري الأراضي الزراعية بمياه الصرف الصحي؛ إذ إن البكتيريا ظهرت في بلدان أوروبا، إلا أنها تحذير جدي للبنان للبدء باتخاذ تدابير لكي لا يكون لبنان مصدر البكتيريا لا متلقيها!"
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك