كتب نادر حجاز في موقع mtv:
يشكّل لبنان محطة مهمة للإتحاد الأوروبي، وكانت زيارة رئيسة المفوضيّة الأوروبيّة أورسولا فون دير لاين، في أيار الماضي، برفقة الرئيس القبرصي، لافتة جداً في توقيتها وسط الصخب اللبناني حينها حول ملف النزوح السوري. وتركت هبة المليار يورو يومها جدلاً واسعاً، حيث اعتبرها البعض بمثابة رشوة للبنان مقابل خفض سقف الخطاب الرسمي في ملف اللجوء.
ويبرز الإهتمام الأوروبي المستمر، من خلال زيارة مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل إلى بيروت قادماً من القاهرة، ملتقياً بالمسؤولين وبعض القوى السياسية. وأمّا جعبته فملأى بالملفات الساخنة من غزة إلى جنوب لبنان والاستحقاقات اللبنانية الشائكة لا سيما الاستحقاق الرئاسي وملف النزوح.
وفي مقاربته لزيارة بوريل، يقول المدير التنفيذي لملتقى التأثير المدني والباحث في الشؤون الجيو-سياسية واللجوء والهجرة زياد الصائغ: "الإتحاد الأوروبي معني بالشأن اللبناني، ليس من بوابة النزوح السوري حصراً، كما يحلو للبعض التصويب، بل من بوابة المُعطى الحضاري الأورو-متوسطي، أي بالإستناد إلى قيم الحرية والديمقراطية والتنوع والعيش معاً، والتي من المفترض أن يستعيد لبنان ميزاته التفاضلية فيها، وبالتالي يجب لفت النظر إلى أن التواصل بين لبنان والإتحاد الأوروبي له أبعاد معقّدة، يجب ألا نتجاهل فيها مأزق أمن الطاقة الذي تواجهه دول أوروبا منذ الأزمة الأوكرانية. في المحصلة معادلة القيم المشتركة، والمصالح المشتركة ترعى عميقاً هذا التواصل التاريخي، وهذا ما يبقى في صميم ذاكرة بوريل وفريقه حتماً".
أما عن الإندفاعة الأوروبية تجاه لبنان، فيعتبرها الصائغ قائمة على "تحسّس للمخاطر الوجودية التي تتهدّد الهوية اللبنانية بفعل مصادرة الدولة واستباحتها بالفساد، وضرب العدالة، واستباحة السيادة، ناهيك بانخراط قوة غير دَولَتِيَّة (Non State Actor) في أجندة غير لبنانية، بالإضافة إلى أزمة النزوح السوري".
ويضيف، في حديث لموقع mtv: "بالتالي، وبفعل مسار ديبلوماسية عامة وفاعلية اغترابية لبنانية في دول الاتحاد الأوروبي، يعود لبنان إلى صلب اهتمامات قوة فاعلة في المجموعة الدولية، على أن الإشكالية ما زالت تكمن بأن الاتحاد الأوروبي يقبع في مربّع مقاربة عوارض الأزمات أكثر منه مسبّباتها، والحوار قائم مع مؤثّرات ومؤثّرين في هرميته السياسية لتغيير هذه القاعدة".
وفيما يبدو السؤال مشروعاً عن مصير هبة المليار يورو بالتزامن مع زيارة بوريل، والتي أثارت في لبنان لغطاً كبيراً، يؤكد الصائغ أن "هذه الهبة تمتد على ثلاث سنوات، وهي ليست مستجدة بل مُجدَّدة، وقد تم التعاطي معها بشكلٍ شعبويّ إذ كان الأجدى تصويب مسار صرفها إلى حيث حاجة لبنان للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي والتربية، بدل استهدافها الذي إن دلّ على شيء فعلى غياب سياسات عامة وحَوكَمة رشيدة، حتى في ما يُعنى بأزمة النزوح السوري التي تغيب عنها حتى الساعة ديبلوماسية العودة، وهنا يجب استدعاء التعاون البنّاء مع الإتحاد الأوروبي أكثر منه الإشتباك معه، على أنّ سقف هذا التعاون في أزمة النازحين أولوية عودة هؤلاء إلى وطنهم. فمتى نخرج من الإرتجال والديماغوجيا والسياسَويّة إلى فعل الدولة السيّدة الحرّة المستقلة تحت سقف الدستور والمواطنة؟".
هي الزيارة الثانية لبوريل إلى بيروت هذا العام، وتندرج أولاً في إطار مساعيه لخفض التوتر وإنهاء الحرب في غزة ولبنان والبحث في إمكانية تطبيق القرار 1701 كاملاً. ومحطته اللبنانية تحمل رسائل مهمة حول الحرص الأوروبي على استقرار لبنان وعدم السماح بدخوله في الفوضى، التي ستكون لها تأثيراتها السلبية على أوروبا أيضاً. وأما بعد فإن هذه الزيارة قد تكون الأخيرة، وبمثابة الوداع، حيث سيغادر مركزه بعد حوالى الشهر.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك