كتب نذير رضا في "الشرق الأوسط":
حاول الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان دفع القوى السياسية اللبنانية باتجاه المشاركة في حوار بينهم لانتهاء الشغور الرئاسي، مؤكداً أمام من التقاهم في بيروت، الأربعاء، أن الحوار هو السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة. وهذا ما لم يستطع أن يقنع جميع الافرقاء به؛ إذ اصطدم بتحفظات حول الحوار، حيث طالب نواب «التغيير» برئيس يحاكي المرحلة، فيما أيد الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، و«حزب الله» دعوته للحوار.
وواصل الموفد الرئاسي الفرنسي لقاءاته بالمسؤولين، والتقى صباح الأربعاء رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» (حزب الله) النائب محمد رعد في مقر الكتلة، وتطرق الحديث إلى «المبادرة الفرنسية الساعية إلى إطلاق الحوار بين اللبنانيين حول الموضوع الرئاسي»، وفق ما أفادت العلاقات الإعلامية في «حزب الله».
واعتبر لودريان أن «طرح رئيس مجلس النواب نبيه بري للحوار يصب في السياق نفسه، ويكمل المساعي الفرنسية في هذا الصدد».
من جهته، شدد رعد على «أهمية الحوار والتواصل بين اللبنانيين باعتباره السبيل الوحيد المتاح للخروج من الوضع الحالي في الموضوع الرئاسي».
جنبلاط ولعبة الأسماء
كما زار لودريان جنبلاط الذي استقبله في كليمنصو، بحضور نجله رئيس كتلة «اللقاء الديمقراطي» النائب تيمور جنبلاط.
وبعد اللقاء قال جنبلاط الأب: «نحن نفضّل وجهة نظر الرئيس نبيه برّي ولودريان القائمة على الحوار»، مشيراً إلى تمايز موقفه عن موقف حزب «القوات اللبنانية»، قائلاً: «لدى (القوات) وجهة نظر مختلفة عن وجهة نظرنا». ورداً على سؤال إن كان «اللقاء الديمقراطي» أُبلغ بتوقيت عقد جلسة للحوار، قال: «لم نُبلغ بشيء، وكل شيء بوقته».
وعمّا إذا كان لودريان يدعم رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، قال جنبلاط: «لم ندخل بالأسماء، ولا تدخلوني بلعبة الأسماء». وأشار إلى أن «بعض الأفرقاء المحليين لا يريدون حلاً، ولنسأل الذين يغرّدون على التلال».
نواب «التغيير»
وفي قصر الصنوبر، استقبل لودريان وفداً من نواب «التغيير». وقال النائب ياسين ياسين لـ«الشرق الأوسط» بعد اللقاء إنه «لا وضوح في خطته للحوار»، قائلاً: «لدينا تحفظ ومخاوف من الحوار لأنه لا يزال غير واضح على أي أساس سيكون الحوار، وما هو مضمونه، ومن سيكون مدعواً، ومن يرأس الحوار، فضلاً عن أن الحوار تعتريه شوائب قانونية»، في إشارة إلى مطلب القوى المعارضة لوصول فرنجية للرئاسة بتطبيق الدستور، وعقب جلسات انتخابية متتالية في البرلمان لانتخاب رئيس.
وقال ياسين: «نريد أن نسمع من بري شخصياً أن هناك دورات انتخابية متتالية لانتخاب رئيس وإنهاء هذا الشغور، وليس فقط جلسات متتالية، وما إذا كان فريقه سيبقى في قاعة البرلمان لتأمين نصيب الدورة الانتخابية التالية»، مشيراً إلى تجربة 13 جلسة لم تنهِ الشغور الرئاسي. وقال: «بوصفنا نواباً تغييريين، سنبني على الشيء مقتضاه، ووجهنا أسئلة لنعرف علام نتحاور؛ على اسم الرئيس؟ على الأزمات التي أدت إلى تحلل الدولة؟ هل هناك نية لدى الفريق الآخر لبناء دولة؟». وأضاف: «نريد رئيساً يحاكي المرحلة، ويواكب الإصلاحات. نريد تطبيق الدستور. لا نريد الحوار حول اسم وفق المقاربات السابقة القائمة على المحاصصة، ولا نريد أن ننتخب رئيساً من ضمن المنظومة السياسية التي كانت حاكمة بعد مرحلة الوجود السوري، خصوصاً أن أحد رموز حزبه يدرج على قوائم العقوبات الأميركية. ما نطلبه هو رئيس يحاكي هذه المرحلة الانتقالية بعد حراك 17 تشرين 2019». وأشار إلى أن لودريان «كان متوافقاً مع وجهة نظرنا، لكنه يحاول تقريب وجهات النظر بين الأفرقاء الذين يمثلون الناخبين في البرلمان، لإنهاء الشغور».
معوض ومخزومي والجميل
والتقى لودريان لاحقاً ممثلَي كتلة «تجدّد» النائبَين ميشال معوض وفؤاد مخزومي، ثم زار رئيس حزب «الكتائب» سامي الجميل، الذي قال: «عبّرنا عن موقفنا من هذه الأزمة التي يمرّ بها البلد والرسالة الأساسية هي أننا نعتبر أن المؤسسات والنظام الديمقراطي رهينة السلاح والاستقواء، وما دام هذا الواقع موجوداً فالاستحقاقات مضروبة».
وقال الجميل: «حزب الله مستمر بمنطق الاستقواء والفرض والتهديد والانقلاب على المؤسسات والبلد والديمقراطية، ولهذا السبب نناشد الدول الصديقة أن تُدرك هذا الواقع وتساعد لبنان على تحرير نفسه، و«ألا نضع الجلاد والمجلود في المرتبة نفسها».
وأضاف الجميل: «لن نقبل بأن يكون ثمن انتخاب رئيس للجمهوريّة هو الاستسلام لـ(حزب الله) فهذا الثّمن لن ندفعه اليوم، ولا غداً، ولا بعد مائة سنة». ولفت إلى أن الفريق الآخر «لم يلاقنا إلى نصف الطريق»، مضيفاً: «أول ما يجب أن يتمّ هو أن يلاقينا (حزب الله) على نصف الطريق، إنما لدينا قناعة أن (الحزب) يستخدم منطق الفرض والتهديد والانقلاب على المؤسسات والديمقراطية والبلد».
وكان ممثل حزب «القوات اللبنانية» في البرلمان النائب غسان حاصباني استبق لقاء لودريان مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع بالقول: «نسمع الكثير عن الحوار، وهو بالمبدأ كلمة نبيلة وإيجابية. لكن في كيفية طرحه اليوم يفقد المواصفات الإيجابية، بل تحوّل الحوار إلى شرط مسبق لقيام البعض بعمله وواجبه الدستوري المتمثل بفتح مجلس النواب عبر دورات مفتوحة ومتتالية إلى حين انتخاب رئيس للجمهورية». ورأى أن لودريان «لا يحمل جديداً، بل الزيارة استتباع للقاءات السابقة ويحاول تقريب وجهات النظر»، مضيفاً: «يجب ألا ننسى أن هناك حوارات عدة قائمة بين قوى المعارضة وقوى الاعتدال وغيرها حول الموضوع الرئاسي وبطريقة ثنائية، ولكنها لا تختزل الدستور ولا تتعارض معه، ولا تُشكّل شرطاً مسبقاً لانتخاب الرئيس في مجلس النواب».
وكان لودريان زار، الثلاثاء، بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، ورئيس «تكتل لبنان القوي» جبران باسيل، والتقى أيضاً قائد الجيش العماد جوزيف عون.
الأفق المسدود
وأشارت السفارة الفرنسية في بيروت، في بيان، إلى أن لودريان سيجري محادثات جديدة تندرج في سياق المباحثات التي أجراها خلال مهمتيه السابقتين، مع جميع الجهات الفاعلة السياسية الممثلة في البرلمان، وسيؤكد ضرورة الخروج من الأفق السياسي المسدود حالياً، كما سيتطرق مع جميع الجهات الفاعلة، إلى المشاريع ذات الأولوية التي ينبغي لرئيس الجمهورية الجديد أن يعالجها بغية تيسير بلورة حل توافقي في البرلمان وسد الفراغ المؤسساتي.
وفي السياق، قالت آن كلير لوجاندر، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية، إن لودريان سيبقى في بيروت حتى الجمعة، وقالت في مؤتمر صحافي: «نأمل أن يدرك القادة اللبنانيون بأن تحريك الأمور بات ملحاً»، مشيرةً إلى أن لودريان يعمل «بالتنسيق» مع الشركاء في المنطقة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك