كتبت لوسي بارسخيان في "نداء الوطن":
تتمسّك "الدولة" بالمعاينة الميكانيكية قبل دفع رسوم الميكانيك، وكأنّ البلد بألف خير، وليس هناك ما يهدّد سلامة المواطنين فيها سوى صحّة سياراتهم ومدى صلاحيتها للسير. ولا تبالي في المقابل لكون بعض مراكز هذه المعاينة تحوّلت غطاء للإستفادة المادية غير الشرعية، وحتى لو كان ذلك على حساب معايير السلامة العامة التي يفترض أنها وُجدت لتأمينها.
يروي مواطنون تردّدوا على مركز المعاينة الميكانيكية في زحلة حجم المعاناة التي يتكبّدها الكثيرون، نتيجة لتزاحم أصحاب السيارات على إجراء المعاينة، حتى بعد صدور قرار توزيع أيام الأسبوع على اللوحات التي تحمل أرقاماً مزدوجة وأخرى مفردة. ويقولون إنّ هناك أشخاصاً يمضون ساعات وهم سجناء سياراتهم قرب مركز المعاينة ليلاً، حتى يضمنوا إتمام المعاينة من دون خسارة يوم عمل. ويتحدّث البعض أيضاً عن أشخاص يحومون في المكان، يعرضون خدماتهم على من يصلون متأخّرين، ويؤمّنون لسياراتهم مروراً سريعاً مع نتيجة "إيجابية"، لقاء مبالغ مالية تتراوح بين 80 و 100 ألف ليرة، وأنّ هناك آخرين يركنون سياراتهم، ليحجزوا بواسطتها أماكن متقدّمة، تباع للراغبين بتجاوز غيرهم ممّن سبقوهم الى المكان.
"نداء الوطن" قصدت المكان للتأكّد من صحّة هذه الاخبار، خصوصاً أنّ أي خدمة في الخارج، لا يمكن أن تتم من دون توفر من يسهّلها داخل مراكز المعاينة، ما يجعلهم شركاء في إرتكابات تكبّد المواطنين تكاليف إضافية، وتضع علامات إستفهام حول صحّة نتائج الكشوفات التي تثبت صلاحية السيارات للسير. لم تكن زحمة "الميكانيك" يوم أمس الجمعة شبيهة بباقي أيام الاسبوع، كما أكد أشخاص ينتظرون في نهاية الصف الذي امتدّ من مدخل مركز المعاينة الى نهاية محيطه الشاسع.
ومع ذلك إلتقينا بشابين كانا يحومان بالمكان، إدّعى أحدهما بداية أنّه فنّي تصليح كهرباء سيارات، الى أن أخبرتنا سيدة أنّ صديقه عرض عليها تمرير سيارتها سريعاً لقاء مبلغ مئة ألف ليرة. قصدنا الشاب وصديقه وطلبنا منهما تأمين الخدمة، وبالفعل عرض أحدهما أن يرافقنا الى "دكان" يمكن لصاحبه أن يمرّر السيارة على المعاينة بينما نحتسي فنجان قهوة، لقاء مبلغ 80 ألف ليرة. ولما طلبنا منه أن يدلنا عليه كي نعود في اليوم التالي مع المبلغ المطلوب، ضرب موعداً ليرافقنا. تبدو لافتة في المقابل حركة كاراجات تصليح السيارات التي إتّسعت في محيط دائرة المعاينة، وهي حركة شبيهة لما طرأ على محيط مراكز المعاينة على مختلف الأراضي اللبنانية. ولكن ما يستوقف بينها هو وجود خدمة لتأجير الدواليب، لا تتخفّى وراء أي عنوان آخر، بل تعلن ذلك جهاراً.
في المكان قيل لنا إنّ صاحب المحل يمكنه أن يؤجّرنا لدقائق إطارات صالحة لإجتياز الميكانيك، موضحين من موقع العارف أنه في الداخل لا يتمّ التدقيق أساساً على مدى صلاحية الإطارات للسير. دواليب إجتياز الكشف الميكانيكي متوفرة لجميع السيارات وبمختلف المقاسات، كما أكّد لنا أحد الذين يقدّمون الخدمة، وأجرتها 80 ألف ليرة للفترة التي يستغرقها الكشف. الخدمة إذاً تستهدف أصحاب السيارات الذين لا يملكون قدرة إستبدال إطاراتها القديمة، وتجنّبهم أقلّه مراكمة رسوم الميكانيك والغرامات عليها، حتى لو كانوا مدركين للمخاطر التي يمكن أن يتسبّبوا بها...
ما يحصل في محيط مركز المعاينة في زحلة قد لا يكون سوى نموذج عن أمور شبيهة تجري في معظم مراكز المعاينة الأخرى، ولكنّه يستحقّ الترقّب لما يمكن أن تتطور إليه الأمور، وخصوصاً مع تراجع القدرة المعيشية للبنانيين، وما يمكن أن يتسبّب به من إهمال للآليات وصيانتها، فيما الدولة متمسّكة بآليتها لدفع رسوم الميكانيك، حتى بظلّ إنحلال سلطتها وقدرتها، وحتى إرادتها على المحاسبة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك