كتبت جوانا فرحات في "المركزية":
منذ اللحظة الأولى على عودة إبن بلدة شكا سهيل حموي إلى عائلته بعدما أمضى في المعتقلات السورية 32 عاما استعاد أهالي المعتقلين في السجون السورية الأمل برؤية أحبائهم. لكن الغصة عادت لتسكن في النفوس بعدما تأكد ولو بصورة غير نهائية رسمية بأن عدد العائدين لم يتجاوز التسعة ولن يتخطاه إلا بما لا يتجاوز عدد أصابع اليدين.
راحوا؟ صاروا شهداء؟ لعل هذا الإعتراف يحتاج إلى الكثير من الجرأة للإعلان عنه رسميا وإن كان غالبية الأهالي يقرون بذلك ضمنا، مع ذلك لن يهدأوا ولن يتوقفوا عن البحث والتحري قبل معرفة مكان رفات المعتقلين والحصول ولو على قطعة واحدة من هياكلهم العظمية ليصار إلى دفنها وإقامة مراسم الجنازة.
وبين بصيص أمل كان مفقودا حتى الأمس القريب وغضب على المسؤولين الذين ما زالوا يدفنون الحقيقة والإعتراف بأن هناك 622 معتقلا في السجون السورية بحسب الملفات الموثقة يستمر زحف الأهالي إلى سوريا بحثا عن "الغالي" الذي خرج ذات صباح ولم يعد!. لكن حتى هذا الأمل الذي كان مسموحا إحياؤه بدأ يخفت مع انتشار صور ومعلومات موثقة عن عثور سوريين بعد عودتهم إلى مساكنهم في حي التضامن في العاصمة دمشق على هياكل عظمية وعظام بالية لمواطنين سوريين قضوا في مجزرة حي التضامن التي كشف عنها عام 2022 بعد فيديوهات نشرتها صحيفةُ الغارديان ووثقت إعدام 41 مدنيا بدم بارد بينما كانوا معصوبي الأعين مكبلي الأيدي.
وازداد الوضع تعقيدا مع إعلان رئيس المنظمة الحقوقية السورية ومقرها الولايات المتحدة معاذ مصطفى عن العثور على مقبرة جماعية في القطيفة التي تقع على بعد 40 كيلومترا شمال العاصمة السورية وتحوي ما لا يقل عن 100 ألف جثة لأشخاص قتلهم نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد. والمقبرة وفق مصطفى واحدة من 5 مقابر جماعية أما العدد فتقريبي ويرجح أن يكون أكثر من 100 ألف.
وفق رواية مصطفى "كان فرع المخابرات في القوات الجوية السورية يتولى نقل الجثث من المستشفيات العسكرية إلى فروع مخابرات مختلفة، قبل إرسالها إلى موقع المقبرة الجماعية، وكانت تبدو عليها آثار التعذيب حتى الموت.
ويضيف "أن الجثث نُقلت إلى المواقع بواسطة مكتب الجنازات البلدي في دمشق الذي ساعد موظفوه في نقلها من شاحنات مبردة. ويشير إلى اعترافات من سائقي جرافات أٌجبروا على حفر القبور، وفي كثير من الأحيان وبناء على الأوامر، تم سحق الجثث قبل دفنها في الثرى".
عند هذه الوقائع يتوقف عدد من أهالي المعتقلين في السجون السورية وعدد من الحقوقيين ليطرحوا السؤال: هل ستتم محاسبة الضباط والمسؤولين عن قتل أولادنا؟ ومن هي الجهة الرسمية التي تشرف على عملية نبش المقابر الجماعية إذ يتعين الحفاظ عليها لحماية الأدلة للتحقيقات.
المحامي شربل شرفان وهو إبن شقيقة الراهب الأنطوني المعتقل في السجون السورية منذ 14 تشرين الأول 1990 الأب ألبير شرفان يقول لـ"المركزية" أن اللجنة الأمنية القضائية الأمنية التي شكلتها الدولة اللبنانية عام 2002 تتولى التحقيق مع كل المحررين من السجون السورية وتعمل على جمع المعلومات. ويلفت إلى أن الإخفاء القسري في القانون يصنف كجرمٍ ضد الإنسانية خصوصا إذا كان متماديا ومنظما وممنهجا تماما كما حصل خلال فترة الإحتلال السوري ولا يمر عليه الزمن ويمكن محاكمة المجرمين ولو بعد 100 عام".
شرفان الذي يستعد مع أقارب له للمؤتمر الصحافي الذي تعقده عائلة الأب ألبير شرفان غدا الخميس في نادي الصحافة للمطالبة بالكشف عن مصير الأبوين شرفان وسليمان أبي خليل يخرق جدار الصمت ويطالب الدولة "ولو لمرة واحدة أن تطالب بمعرفة مصير المعتقلين أحياء كانوا أم أموات على غرار ما يحصل في كل دول العالم التي تطالب باستعادة رفات مواطنيها لأن كرامة المواطن يجب أن تكون مصانة من قبل الدولة ."فلتفعلها دولتنا اليوم وتقول لنا ولكل أهالي المعتقلين في السجون السورية، هذا هو إبنكم أو هذا هو رفات ولدكم بدل أن نستمر في البحث والركض وراء المجهول. 34 عاما ونحن نعيش على أمل والأمل يهرب منا في كل مرة نظن فيها أننا التقطنا طرف الخيط. اليوم نسعى لمعرفة مكان رفات خالي الراهب شرفان لكن كأفراد لا يحق لنا أن نطالب بإجراء فحص DNA أو إرسال نتائج الفحوصات التي خضع لها أهالي المعتقلين في السجون السورية ليصار إلى مقارنتها مع نتائج الفحوصات التي يجب إجراؤها عبر مختبر دولي متنقل على المحافظات والسجون والمقابر الجماعية. هذا من مسؤولية الدولة ".
"لحظة فتح أبواب الزنزانات في سجن صيدنايا تسمرت عائلة الأب شرفان أمام الشاشة لأن أحد أقارب المعتقلين الموجودين في هذا السجن وهو من جنسية غير لبنانية أخبرهم ذات يوم أنه رأى ألراهب شرفان خلال زيارة شقيقه في سجن صيدنايا. وذلك قبل اندلاع الثورة في سوريا عام 2011. "لكن وكما في كل مرة ضاع الأمل لكننا مصرون على معرفة مصير الراهب شرفان ".
وإذ يثني المحامي شرفان على الجدية والجهد التي تطبع عمل القاضيين زياد أبو حيدر وجورج رزق في اللجنة الأمنية القضائية إلا أنه يطالب بإطلاع الأهالي على النتائج بعد الإنتهاء من التحقيق مع الأشخاص العائدين من سوريا لتبادل المعلومات خصوصا إذا كان أحدهم قد ذكر إسم أحد المعتقلين أو أحد الضباط الذين كانوا يتولون التحقيق وتعذيب السجناء. وفي هذه الحال يجب استدعاؤهم للتحقيق معهم كشهود.
أما المطلب الأكثر إلحاحا فهو التقدم بشكوى أمام المجتمع الدولي بعد ختم التحقيقات وجمع الإفادات من قبل اللجنة القضائية ويختم"نحن لا نطلب المستحيل إنما أبسط حقوقنا الإنسانية التي تكفلها المواثيق الدولية .لا نريد شيئا من الدولة فقط أن تكون أمينة على كرامة مواطنيها وتعمل وفق المقتضى لمعرفة مصير المعتقلين أحياء كانوا أم رفات".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك